تُعدُّ المصالحة ركيزة أساسية ووسيلة مهمة تساعد في فض المنازعات بين المتنازعين، ولها دور رئيسي للحفاظ على كيان الأسرة الواحدة ووحدة المجتمع، كما تساهم المصالحة في الحد من تدفُّق القضايا والدعاوى للدوائر القضائية، بحيث تصبح المصالحة الخيار المُفضَّل لدى المجتمع لحل النزاعات، والصلح هو الحصول على السلم بعد النزاع، وهو التوصُّل إلى الإصلاح بين الناس، وقد حثَّت عليه الشريعة الإسلامية، فبه تَحلُّ المحبة والألفة مكان القطيعة والكراهية، وتطمئن القلوب، وينتشر العفو، وترتاح النفوس من الغل والحقد والشحناء، فالشقاق والخلاف من أخطر الأسلحة فتكاً بالمجتمعات. نهض مجتمعنا لتعزيز مفهوم المصالحة، وذلك من خلال العديد من البرامج والمبادرات الاجتماعية، ومنها: «لجان إصلاح ذات البين»، والتي تهتم بتحقيق العدالة وتعزيز قِيَم التسامح والعفو في المجتمع، ونصرة الحق، ويقوم على تلك اللجان رجال أوفياء ضحَّى بعضهم بجهدهِ ووقته وماله في سبيل وأد الخلافات، ونشر العفو والتسامح، وإنهاء الخصومات برضا وقناعة كافة الأطراف المعنية، خصوصاً وأن بعض القضايا قد تدور وتبقى في بعض المحاكم لفتراتٍ طويلة. في العام الماضي سعت وزارة العدل ممثَّلة في مبادرة تفعيل منظومة المصالحة في المملكة، وهي إحدى مبادرات التحوُّل الوطني 2020 لإطلاق برنامج تدريبي بعنوان: (المصلح المؤهل)، ويستهدف البرنامج مصلحي المحاكم من خلال برنامج تدريبي متقدم يتضمن تطبيقات محاكاة لقضايا واقعية وافتراضية مُعزَّزة بالنقاشات العلمية، وذلك وفق أعلى المعايير والممارسات العالمية، ومواءمتها للنزاعات المحلية، كما أصدر وزير العدل قراراً ينص على أنه يَحق لرئيس المحكمة توجيه القضايا لمكاتب الصلح قبل إحالتها للدائرة القضائية، على أن تُعقَد جلسة الصلح خلال عشرة أيام عمل، وذلك من أجل تفعيل الوسائل البديلة لفض المنازعات، والحد من تدفُّق الدعاوى إلى المحاكم، وبالأمس، أعلنت وزارة العدل عن تفعيل مكاتب المصالحة من خلال افتتاح ثمانية مكاتب لها منتشرة في أحياء مدينة الرياض، وترتبط مباشرةً بالمركز الرئيس في محكمة الأحوال الشخصية، وتهدف إلى تفعيل منظومة المصالحة، وتوسيع نطاق خدمة المستفيدين لاختيار المكتب المناسب وفقاً لأفضل الممارسات العالمية، لتفعيل دور المصالحة والوساطة خارج أسوار المحكمة. من الجميل أن نعمل على دعم جهود وأهداف مكاتب المصالحة، فمثل هذه المكاتب تساهم في نشر ثقافة التسامح والمحبة بين المتخاصمين، كما تعمل على إنهاء الخلافات في سريةٍ تامة، وبأقصى سرعة، إذ إن إطالة مدة الدعوة تُسبِّب في كثيرٍ من الأحيان زيادة الشحناء والبغضاء، وزيادة الأضرار بين طرفي الخصومة، في حين تُساهم المسارعة في المصالحة إلى تقريب وجهات النظر، وحل النزاعات بالتراضي، وتقوية التلاحم الأسري ورفع نسبة الرضا بين المتنازعين.