هل حاوَلْنا -ولو للحظةِ-أنْ نتخيَّلَ حياتَنا بدونِ كهرباءٍ؟، أنْ نتصوَّرها بدونِ هاتفٍ؟، أنْ نفكِّرَ فيها بدونِ سيارةٍ ولا طائرةٍ؟. هل تأمَّلْنا يوماً كيفَ ستكونُ أحوالُنا لو لم تكنْ هناكَ أجهزةُ أشعةٍ، ولا مختبراتُ تحليلٍ، ولا موادُّ تخديرٍ، ولا أدواتُ تعقيمٍ وجراحةٍ؟ هل شَعَرْنا -ولو لمرةٍ-، كيفَ كنَّا سنعيشُ لو لم نمتلكْ أقلاماً وأوراقاً، وأجهزةَ تصويرٍ، وحواسيبَ، وطابعاتٍ؟. إنَّ هذهِ المنجزاتِ الاستثنائيةَ التي غيَّرَتْ وجهَ الحياةِ، ونقلتِ البشريةَ من حالٍ إلى حالٍ، يقفُ وراءَها رجالٌ عباقرةٌ، جمعوا عِلْماً وعملاً، وذكاءً وجِداً، واستطاعَ كلُّ واحدٍ منهمْ أنْ يَخْطُوَ بالإنسانيةِ خطوةً إلى الأمام. آمنَ هؤلاءِ بالعلمِ .. وأَخْلَصُوا له .. فأثمرَتْ أشجارُهُمْ .. فسبحانَ من علَّمهُم! إن إسهامات المسلمين في التقدم الحضاري في عصرنا الحالي في حدودها الدنيا على الرغم أنهم يشكلون ما يقارب 24% من مجمل الكثافة السكانية، وأن في دينِهم الإسلاميِّ العظيمِ أُصولاً كثيرةً تحفِزُهم على الاختراعِ والإبداعِ. أولُ هذه الأصولِ أصلُ الإتقانِ .. قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله يحبُّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يُتقنه». وثاني هذه الأصولِ أصلُ المسابقةِ في الخيرِ.. قال تعالى: «فاستبقوا الخيراتِ». وثالثُ هذه الأصولِ أصلُ أحقيَّةِ السابقِ فيما سبقَ إليه.. جاءَ في الحديثِ: «مَنْ سبقَ إلى مُبَاحٍ فَهُوَ أَحَقُّ به». ورابعُ هذه الأصولِ أصلُ الأجرِ الأخرويِّ في باب التعلُّمِ والاختراعِ، فالمخترعُ المسلمُ مأجورٌ لأنَّهُ يطلبُ العلمَ، ومأجورٌ أيضاً لأنَّه يدخل السرورَ على قلوبِ الناسِ، بقضاء حوائجهم، وتفريج كربهم. إنهم أبناءُ أمةٍ علمها دينها كيف تفكر؟ كيف تتعلم؟ كيف تبتكر؟ فنحو ثلث آيات القرآن البالغ عددها 6236 آية أي قرابة 2100 آية تحث على التفكير والتدبر والنظر، والأحاديث النبوية مليئة بالحث على العلم بل واعتباره عبادة وقربى. إذاً هم أبناء دين يحث على المعرفة وأبناء حضارةٍ قامت على المعرفة وأبناء لغةٍ أحاطت بالمعرفة. وبهذه المعاني الجليلةِ ترسَّخَتْ سابقاً في هذهِ الأمةِ المسلمةِ في عصر نهضتها روحُ الابتكار والاختراعِ، فسجَّل التاريخُ بأحرفٍ من نورٍ أنَّ الريادةَ الأولى في كثيرٍ من المخترعاتِ كانتْ لعلماءَ من هذهِ الأمةِ العظيمةِ، فالكاميرا، وأجهزةُ التقطيرِ، وأدواتُ الجراحةِ، والساعاتُ الميكانيكيةُ، والتخديرُ، والطواحينُ الهوائيةُ، والتطعيمُ، ونظامُ الترقيم، والأُسْطُرْلابُ، والبصريَّاتُ، والعقاقيرُ الكيميائيةُ الفعالةُ، وعلمُ الجبرِ، واللوغاريتماتُ، والمراصدُ الفلكيةُ، وعلمُ الاجتماعِ .. كلُّ هذهِ الأولياتِ وأضعافُها كانتْ من نِتاجِ هذهِ الأمةِ المختَرِعَةِ. وقد حفظَ سجلُّ فخارِها أعلاماً كالبيرونيِّ، والرازيِّ، وابنِ النفيسِ، وابنِ البيطارِ، وابنُ زُهْر، وابنِ الهيثم، والخوارزميِّ، والإدريسيِّ، وابنِ قُرَّة، وغيرهم ممن تركتْ مخترعاتُهُم أثرَها الواضحَ في مسيرةِ البشريةِ. وصدقتِ المستشرقةُ الألمانيةُ زِيْغْرِيْد حين قالت عن العالمِ الإسلاميِّ: «»يَدينُ له الغرب كما تدينُ له الإنسانيةُ كافةً بالشيء الكثير».