لازالت الأنديةُ الأدبيةُ مدارَ جدَلٍ في المشهد الأدبي الثقافي، ابتداءً بمسماها (الأدبي) الذي طالته يد التغيير فتوزع بين (أدبي، وأدبي ثقافي، وثقافي أدبي)، مرورًا بلائحتها الجديدة (المغيَّبة)، وليس انتهاءً بتخصصات القائمِين بأمرها، وأحقيتهم -في ضوء تخصصاتهم- بعضوية الأندية الأدبية. نتفق بدءًا أن الأندية الأدبية قامت لخدمة الأدب وفنونه، غير أنه يمكننا أن نسمي ما حصل بعد ذلك (تنكُّرًا) للجذر الذي انطلقت منه هويَّاتها، ولذا رأينا كيف توالت الدعوات للخروج -زعمًا- من ضيق (الأدب) إلى سعة (الثقافة)؛ فطالبتْ بما أسمته (مراكز ثقافية) بحيث تضم الأنديةَ الأدبيةَ وجمعياتِ الثقافة والفنون تحت سقف واحد؛ بحجة أن الثقافة مفهوم واسع تندرج تحته ألوان متعددة منها الأدب. ما حصل هو أن حال الأندية الأدبية ازدادت تردِّيًا مع محاولات إحلال الثقافة (بمفهومها الواسع) في فعالياتها مقابل تهميش رسالتها الأدبية، فتشتتتْ هوياتها، وصدر عنها كثير من المستهدَفين، والواقع يشي بذلك. وقد كتبتُ بخصوص ذلك عدة مقالات منها (لا إكراه في الثقافة - الأندية الأدبية بين الأدب والثقافة - النادي الأدبي.. من ينزع اللوحة؟ - تهميش الأدب) وهي موجودة على الشبكة. واليوم يتجدد الجدَل على إثر مقال الناقد الكبير الدكتور عبدالله الغذامي في صحيفة الوطن (لماذا يستحوذ الأكاديميون؟) حين رأى أن الأندية الأدبية ماهي إلا فروع لأقسام اللغة العربية في الجامعات المجاورة لها؛ بحكم عضوية أكاديميي تلك الأقسام فيها. على هذه الدعوة تتجلى لنا أمور، ومنها: أولاً- دعوة الغذامي لفك الارتباط بين الأكاديمية والأندية الأدبية تُضاف لدعوة سابقة ترى عدم أهلية الأكاديميين -عمومًا- لعضوية الأندية الأدبية؛ حيث ترى أن أكثرهم ربما لا يتماس مع الأدب. ثانيًا- دعوة الغذامي لا أظنها أتت من عدم إيمانه بأهلية الأكاديميين للعضوية؛ وإنما لأن هؤلاء الأكاديميين خريجو مدرسة (النقد الأدبي) ومن المتخصصِين فيه، وبالتالي سينقلونه معهم للأندية الأدبية، وهو ما يعني -وهنا الشاهد- عدم تبنيهم (للنقد الثقافي) الذي يتبناه هو منذ عَقدين. ثالثًا- في ضوء دعوة الغذامي نجد أن قُرابة نصف الأندية الأدبية أعضاؤها أكاديميون، ونصفها الآخر من غيرهم، ومع هذا فلا نستطيع تجيير نجاح نادٍ ما أو إخفاقه للأكاديميين أو لغيرهم، فالمسألة لها حيثياتها. رابعًا- الغذامي -وهو مَن هو اسم أكاديمي كبير وعلم بارز- بدأت انطلاقته من الأدب (شاعرًا فناقدًا أدبيًّا..)، وبذا نعلم أن الأكاديمية والأدب ونقده ليست قيدًا للإبداع. خامسًا- أتفهم إصرار الغذامي على (موت النقد الأدبي) والتحول للنقد الثقافي، وعلى إزاحة الشرط الأكاديمي عن فعاليات الأندية الأدبية، لكن ينبغي ألا يكون على حساب هوياتها ومرتكزها (الأدب). وفي السياق ذاته، وتساوقًا مع دعوة وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله للمثقفين لطرح آرائهم، فإنني أضع بين يديه حزمة من التطلعات ومنها: المرجو أن تكشف الوزارة عن هويتها وتحدد بجلاء اتجاهها، وأن نرى منها التفاتة جادة للأدب والأدباء، وأن تتولى الأنديةَ الأدبيةَ وتحفظ لها هوياتها وكياناتها في ظل الدعوات المطالبة بتذويبها فيما يسمى مراكز ثقافية، وألا تكون الشهادة العليا والتخصص اللغوي هما كل شيء في عضوية الأندية الأدبية، على أن يكون النتاج الأدبي المطبوع أو المشاركات الأدبية الموثَّقة (شرطًا أساسًا) في العضوية، وأن تَقطع حالاتِ التجاوز (القصدية) الحاصلة من الأندية وجمعيات الفنون حينما تلبَّس بعضُها لبوسَ الآخر، وأن تَأطر الأنديةَ الأدبيةَ على التزام الفصحى في فعالياتها وفقًا لما نص عليه (الهدف الأول من المادة الرابعة) من لائحتها، وأن تُخصص ميزانيات مستقلة للجان الثقافية (الرسمية) التابعة للأندية الأدبية، وأن تُسهم في طباعة النتاجات (الجيدة) لأبناء الوطن، وأن تَشتغل على ما يبعث جائزة الدولة التقديرية للأدب، وأن تجتهد مع الجهات المعنية على استحداث (قناة ثقافية) تنقل للآخر تراثنا وأدبنا وفكرنا وثقافتنا، وتوصل له صوتنا (الواعي) وصورتنا (الحقيقية).