غالباً ما نتحدث عن الماضي بحميمية واضحة وحنين ملموس.. نسترجع الذكريات بما تحويه من أماكن ومواقف وأشخاص، ونذكرها بكثير من الإعجاب والتبجيل والمودة ونؤطرها بصور الجمال، وفي أثناء الأحاديث المشتركة عن ذلك الماضي يذكّر بعضنا البعض بتفاصيل من تلك الذكريات وكأننا نقلّب صفحات الحياة. «تتذكر الحارة وعم سالم راعي الدكان والفوال عم حسن .. تتذكر أستاذ فلان في المدرسة.. تتذكر لما كنا نلعب الكورة في الملعب الفلاني مع أصحابنا عبدالله وصالح وخالد.. تتذكر ليلة العيد وكيف كنا نفرح به ونحضن ملابسنا واحنا نايمين ونستنى صلاة المشهد.. تتذكر خالة فلانة وكيف كنا نلعب مع أولادها في بيتهم.. تتذكر كيف كان بيتنا صغير واحنا عددنا مو بسيط وكان يكفينا مو زي هذي الأيام يللي كل واحد من الأبناء والبنات يبغى غرفة لوحده.. تتذكر وتتذكر.. وتتذكر.. الله على هذيك الأيام». ويستطرد الحديث يجر بعضه بعضاً وينسحب لعقد مقارنات بين الماضي والحاضر وما سيكون عليه المستقبل، نتحدث عن الماضي باحترام وإجلال وفي الغالب لا نذكر منه سوى الصور الجميلة حتى أن البعض يسمي ذلك الماضي «الزمن الجميل». ولو عادت بنا الذاكرة قليلاً عندما كنا في ذلك الوقت نجلس مع آبائنا وأمهاتنا وكبار السن كانوا هم أيضاً يسترجعون ذكريات مرحلتهم وزمنهم بنفس الروح وبنفس الاحترام والإجلال على الرغم من الصعوبات التي واجهوها ، وأزعم أيضاً أنه سوف تأتي أيام لأبنائنا ويفعلون مع ماضيهم ما فعلناه نحن وأسلافنا مع ماضينا.. سيذكّر بعضهم بعضاً كيف كانوا يشترون ألعاب السوني وكيف كانوا يلعبون ألعابهم الإلكترونية مع أشخاص ربما تفصل بينهم مسافات طويلة من بلدان مختلفة. وسيتذاكرون كيف كان في زمنهم وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاته.. واتساب وانستجرام وسناب شات، وكيف كانوا ينقلون أحداثهم لحظة بلحظة عبر هذه التطبيقات. وسوف يتحدثون عن ماضيهم بشيء من الحب والحنين للذكريات. لعله الحنين للصبا والشوق لمرحلة يراها الإنسان أكثر حيوية وانطلاقاً وبعداً عن أشكال تعقيدات الحياة، كل ماضٍ يعتبر له أكثر بساطة مقارنة بالحاضر والمستقبل وحب الإنسان الفطري للبساطة.. والبساطة لا تعني السهولة، ويظل للماضي دائماً سحر لا يفارقه.