إن النصوص الواردة في النهي عن الكذب، والتي تُلحقه بالكبائر، وتتوعَّد مرتكبه بعقوبةٍ من الله لا يحتملها مَن في قلبهِ إيمان، تجعل المؤمن يبتعد عنه ما أمكنه ذلك، حتى قيل: إن المؤمن لا يكذب، وإن اقترف كبائر الذنوب الأخرى كالزنا والسرقة، إلا أنه يحافظ على ألا يكذب، فالصدق أصل الإيمان، والكذب أصل النفاق والكفر، وحينما يغلب على عصرٍ؛ انتشار الكذب، فيجب على العلماء العاملين أن يُنفّروا عباد الله منه، فما هو إلا وصف لأشد الكفار عِنَاداً وأشدهم زيفاً، أولئك الذين يُعلنون الإيمان بألسنتهم، ويستنبطون الكفر، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن لنا صفات المنافقين المعلنين الإيمان؛ رياءً وسمعة وغِشًّا للمؤمنين، وقد اشتد عليهم الوعيد في كتاب الله، حتى كانت صورة البقرة أكثر آياتها في وصف المنافقين واليهود وبيان صفاتهم، ورسول الله النبي الأمين صلى الله عليه وسلم يقول: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وفي رواية وإذا وعد أخلف).. وقد مرَّت بنا أزمة بيّنت لنا منافقي هذا الزمان، وعرّتهم بكل وضوح، فهذه القضية التي ترتَّبت على وفاة الأخ جمال خاشقجي -يرحمه الله- أراد الله أن تكون لنا كاشفة للمنافقين في زماننا، فإذا كان المُنافقون هذه صفاتهم، وفيها أيضاً أن المنافق إذا خاصم فجر، وفيها أيضاً أنه أشد الناس سخرية من أهل الإيمان، وهم أقرب إلى أعداء الإسلام، وأشد بُعداً عن المسلمين، المؤمنون هم أعداؤهم، وغيرهم ممَّن كفروا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم هم إليهم أقرب، يُحبونهم ويوادونهم، ولو أنا نظرنا اليوم إلى هذه الجماعات التي ألقت بثقلها في عداوتنا، وتمنَّت لو أن العالم كله انحاز إليهم حرباً لنا، لرأيتهم أقرب إلى الذين اتخذوا من القضية سلاحا ضدنا، يتمنون لو هزمونا بها، وهيهات ثم هيهات لهم ذلك، ويشاء الله أن يرد كيدهم إلى نحورهم، كما رده إلى نحور أوائلهم في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهُزموا، رغم ما بذلوا من جهدٍ في حرب أهل الإيمان، والتشنيع عليهم، ولكن الله بالغ أمره، ينصر عباده المؤمنين، ورد كيد المنافقين إلى نحورهم، وعما قريب بإذن الله يظهر لكم ذلك، فها هم يكذبون فيرد عليهم من كذبوا لأجلهم، وسنرى نصراً مؤزراً لنا بإذن الله، لأننا صادقون فيما نقول، وهم الكاذبون.