أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد بن علي الغامدي المصلين بتقوى الله,وقال: أيها المسلمون قدر الله على هذه الأمة المحمدية في هذه الأزمان المتأخرة أن يتطالب عليها الأعداء من كل حزب ينسلون ويتنادوا على خيراتها ويتكاتفوا لتمزيقها وتعويقها وتأخير نهضتها، ومن رحمه الله أنه لم يترك الأمة بدون بيان وتحذير من هؤلاء الأعداء وهتك أستار مكرهم وكيدهم، وكان من بيان الله سبحانه أن أعداء الأمة على قسمين، هما: كفار صرحاء ظاهرة عداوتهم وبين كيدهم, وهم ظاهرين بينين في عداوتهم وهؤلاء الكفار الصرحاء لم تعان الأمةُ كثيراً من التعرف عليهم واتقاء شرهم لوضوحهم وظهورهم، وإنما عانت الأمة الأمرين منذ عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وذاقت العلاقم والمرائر من النفاق وأهلة الذين هم أعداء الأمة حقاً المتلونون المخادعون، الطاعنون الأمة بخناجر مسمومة في دينها وعقيدتها ووحدتها واجتماع كلمتها المتربصين بها مكراً وكيداً وإثارة للفتن والقلاقل، ولا تزال المعاناة والمكائد منهم مستمرة حتى يخرج رأسُ النفاق الأكبر المسيحُ الدجال الأعور ومن معه من اليهود والمنافقين فيهلكهم الله على يد مسيح الهدى والحق عيسى بن مريم عليه وعلى أمه السلام . لذلك عباد الله لم تكن هناك حاجة لكي يطهر النفاق وفي العهد المكي في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – لوضوح عداوة الكفار وصراحتهم، وإنما نشأ في أوائل ما نشأ بعد غزوة بدر الكبرى حينما رأى اليهود ومن في قلبه مرض أن أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – قد توجه، وأن رأيه الإسلام آخذة في الظهور فخشوا على أنفسهم، واقترح طائفة من اليهود على أوليائهم خطة النفاق; فاشتعلت شرارة النفاق الأولى، ونبتت نبتته فينعت شجرة يهودية خبيثة بمكر وخديعة مرض القلوب، حتى غدا النفاق موئل الغادرين الحاقدين ينضوون تحت لوائه ليصبحوا شوكةً في خاصرة الأمة وأشد عداوة وخطراً على عقيدة الأمة ومقدراتها من الكفار الصرحاء ولسوء أفعالهم وخبث طريقهم وإخفاءهم الشر للأمة، تولى الله سبحانه بنفسه ورسوله – صلى الله عليه وسلم – نصح هذه الطائفة المندسة وبين سبحانه خطورتهم وعلاما يهتم وصفاتهم وخصائص سلوكياتهم وبواعث تحركاتهم والمنهج الصحيح في التعامل معهم في آيات محكمات عظيمات كأنها الصواعق المحترقة تهتك أستارهم، آيات حية نابضة كأنها أنزلت اليوم من حديثها وتدفق معلمها كما في صدر سورة البقرة في ثلاثة عشر آية، وفي سورة آل عمران والنساء والأنفال والأحزاب والفتح والحديد والمجادلة والحشر والمنافقون وما أعظم بيان الله في سورة التوبة التي تسمى الفاضحة لأحوال المنافقين وصفاتهم. وأن النفاق الذي ذمة الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – على نوعين، وهو في حقيقته وأصله يرجع إلى اختلاف حالة السر عن حالة العلانية وتغايرهما فإن كان هذا الاختلاف والتغاير يرجع سببه إلى أن يظهر العبد الإسلام والإيمان بأصول الاعتقاد ويبطن الكفر والعقائد الباطلة فهو النفاق الأكبر الاعتقادي المخرج من الملة، وأهل هذا النفاق آمنوا بأقوالهم ولم تؤمن قاوبهم وعليهم علامات وصفات بينها الله أتم بيان وهي تظهر منهم في لحن القول والفعل وإسرارهم إلى أوليائهم إذا خلو إليهم,وأن منهم من الذين يكذبون الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – تكذيباً كليا أو جزئياً، ومنهم الذين يؤذون النبي – صلى الله عليه وسلم – بالقول والفعل ويبغضونه ويسخرون منه ويطعنون في سنته وهديه، ويلمزون التمكين بسنته ويهزؤون منهم، خاصة صحابه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الخلفاء والراشدين وبقية الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، ومنهم الذين يكرهون أنصار الإسلام وأهلة ولا يودون أن ينزل عليهم خير من ربهم ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمه ويفرضون ويبتهجون بهزيمة المسلمين وتسلط الأعداء عليهم بالقتل والدمار والتشريد, ومنهم الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر يبغونهم الفتنه ويسعون في تخذيل المسلمين وكسر شوكتهم والرقص على جراحهم وآلامهم زتمزيق وحدتهم وتفريق كلمتهم وتخريب بلدانهم وحواضرهم الكبرى. ومنهم الذين لا يذكرون الله إلا قليلاً ولا يقرؤون القرآن إلا لماماً كراهة فيه و والله لنقل الحجارة أهون عند المنافقون من مداومة قراءة القرآن، نسو الله نفسيهم (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )، ومنهم الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ابتغاء الفتنه والظلال فيهم وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا أمنا وإذا خلوا سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير ويقبضون أيديهم ولا ينفقون إلا وهم كارهون، وإذا رأيتهم تعجبك أموالهم وأولادهم وأجسادهم وإن يقولوا تسمع لقولهم من فصاحتهم وهم أجبن الناس وأشدهم خوفاً وفرقاً يحسبون كل صحيحة عليهم هم العدو ولذلك كرر الجهاد في سبيل الله ورضوا أن يكون مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون. أمة الإسلام هذا النفاق الأكبر هو الذي كان عليه المنافقون في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – الذين نزل القرآن بتكفيرهم وتخليدهم في النار، وقد كان على رأس المنافقين آنذاك عبدالله بن أُبي الذي حقد على النبي – صلى الله عليه وسلم – لما قدم المدينة مهاجرا وأشرقت بأنواره والتف الناس حوله – صلى الله عليه وسلم – وفرحوا به فرحاً شديداً فأغاظ ذلك ابن أبي فاضمر للنبي العداوة أبداً وبدأ هو ومن معه من اليهود ومرضى القلوب يكبرون للنبي – صلى الله عليه وسلم – فكان أن خذل النبي – صلى الله عليه وسلم – في معركة أحد وانسحب بثلث الجيش وكشف ظهرة للمشركين وهم الذين سعوا لتجميع الأحزاب لمحاصرة النبي – صلى الله عليه وسلم – في المدينة وكانوا على رأس المخذلين والمرجفين ليفتوا في عضد المسلمين وهم الذين كانوا وراء حادثة الإفك الشهيدة التي أرادوا من ورائها تشوية بيت النبوة الشريف وإسقاط رمز الإسلام والمسلمين، إلى غير ذلك من المؤاوات والمكائد من هذه الفئة المنافقة التي غدت قدوة سيئة لكل من يبطن الكفر والخيانة والكيد للمسلمين. وأستطرد فضيلته في مطلع الخطبة الثانية: فأعلموا أيها المسلمون أن النوع الثاني من النفاق الذي ذمه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – هو النفاق الأصغر نفاق العمل وهو التخلق بشيء من أخلاق وأعمال المنافقينن مع بقاء أصل الإسلام في القلب، وهو لا يخرج من الملة لكن صاحبه على خطر عظيم وشقا هلكة لظهور علامات المنافقين عليه التي تدل على اختلاق حالة السر عن حالة العلانية وقد قال أبو الدرداء رضي الله عنه عن خشوع النفاق: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع، وقال الحسن البصري: من النفاق اختلاق القلب واللسان، واختلاف السر والعلانية واختلاف الدخول والخروج ومن علامات هذا النفاق أن يظهر العبد للناس علانية صالحه وتقوى فإذا خلا بنفسه اختلف حالته وقل خوفه وحياؤه من ربه. عباد الله أن من خطوات هذا النفاق الأصغر أنه سلم وجسر إلى النفاق الأكبر إذا استمر صاحبه على أخلاق المنافقين وأكثر من شعب النفاق ولم يدعها ويخشى عليه أن يسلب الإيمان عند الموت ويختتم له بخاتمه سيئة كما ثبت في الصحيح أن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختتم له عمله بعمل أهل النار، وقد بينت الرواية الأخرى في الصحيح أن عله ذلك ما كان بيد وللناس وهو النفاق الأصغر دليل على ضعف الإيمان في القلب ويحمله تعظيم الله والرغبة في الدار الآخرة فلذلك ترى صاحبه في علاقته مع الناس إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاصر غدر وإذا أتمن خان الأمانة وغش المسلمين، وإذا عاملهم داهنهم وعاملهم بوجهين وإن من شر الناس عند الله ذا الوجهين الذي يلقى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، وهذا دليل على اختلاف حاله سره عن حالة علانيته، فهو متردد متذبذب متحير في أمره لا تستقر شخصيته على مبدأ أصيل ومنهج واضح بل هو مع مصالحه الشخصية وأغراضه النفعية المادية وحيث كانت توجهت إليها ركائبه كما وصفه النبي – صلى الله عليه وسلم – وصفاً دقيقاً بقوله: مثل المنافق كمثل الشاة العائرة ( يعني المترددة المتحيرة ). أيها المسلمون هذا النفاق الأصغر هو الذي كان الصحابة والسلف يخافون منه ويخشونه ويحذرون منه ويحاسبون أنفسهم لئلا يقعوا في خصلة من خصاله، فقد امتلأ قلوبهم بتعظيم الله والإخلاص له والصدق معه ومراقبته، وعلموا أن النفاق أساس بنائه على الكذب والخداع والتلون، فلذلك عمروا واطنهم بالخيرات وأصلحوا اسرائرهم وحرصوا على لزوم الجماعة المسلمين وإمامهم والنصح لكل مسلم فإن ذلك يصفي القلوب ويطهرها من الدغل والغش، وأكثر من عبادات السر التي هي أحب إليه من عبادات العلانية وداوم على تلاوة القرآن وذكر الله وحرصوا على إدراك تكبيرة الإحرام التي من حافظ عليها كتب له براءة من النفاق وبراءة من النار، وكتموا حسناتهم وأخفوا أعمالهم، واستوى عندهم مرح الناس وذمهم، والتمسوا رضى الله ولو سخط الناس وكانت لهم خبيئات الأعمال فلذلك صلحت قلوبهم وخلصت من الرياء والسمعة وطهرت من النفاق.