العالم يعيش مراحل متقدمة من ثورة تكنولوجية رقمية صناعية رابعة يتوقع لها أن تصل الى نقطة التحول (أي انتشار واسع لاستخدام التكنولوجيا) بحلول عام 2025. وكتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس مجلس الوزراء بدولة الإمارات العربية المتحدة مقدمة لكتاب كلاوس شواب، رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) نشر عام 2016 تحت عنوان «الثورة الصناعية الرابعة» قال فيها: «نحن على أعتاب ثورة تكنولوجية تعصف بالأعمال والاقتصاد والوظائف، وتخضعها لعملية تغيير جذرية حقيقية لا ندري ما هيئتها، وملامح عالم جديد يتشكل في الأفق». وما يثير الاهتمام في هذه التطورات أن سوق العمل الذي يتخرج إليه كل عام مئات الآلاف من أبنائنا وبناتنا يتغير بشكل مذهل وسريع ونخشى أن لا تكون المخرجات أي المدارس والجامعات تطور مناهجها وأساليب تدريسها بشكل كافٍ للاستجابة للتغيرات الواقعة. وتشير الأبحاث الى أن استمرار نمو قوة الحوسبة بشكل كبير ستؤدي لتحويل أعمال كثيرة الى أعمال آلية تحل الأجهزة فيها بشكل جزئي أو كلي ومنها مهن المحامين والمحللين الماليين والأطباء والصحفيين والمحاسبين. كما أظهر بحث قام به باحثان من كلية أكسفورد مارتن أنه يوجد احتمال بأن تكون هناك مهن أقل تعرضاً لهجمة الثورة الصناعية الرابعة ومنها مهن علماء النفس، والأطباء الجراحين ومحللي أنظمة الحاسوب والمديرين التنفيذيين . ويتفاعل الشباب السعودي مع التكنولوجيا الحديثة بشكل جيد جداً. وكمثال فإن بحثاً لجوجل نشر في مارس 2015 حول البلدان التي لديها ما يقرب من تسعين بالمائة من البالغين من السكان يستخدمون الهواتف الذكية أظهر السعودية في مقدمة هذه البلدان مع كل من الإمارات وسنغافورة وكوريا الجنوبية والسويد. كما أن إطلاق مشروع مدينة (نيوم) شمال غرب المملكة سيساهم في تطوير البيئة السعودية لصالح التفاعل مع الثورة الصناعية الرابعة والاستفادة منها، خاصة وأن (نيوم) تسعى لاستقطاب أفضل المواهب في مختلف المجالات مستهدفة خلق حياة جديدة بتطبيق أحدث ما توصلت إليه أفضل التقنيات العالمية. وتمتد على مساحة حوالي ستة وعشرين ألف كيلومتر مربع ، عابرة للحدود ، معظمها ضمن أراضي المملكة. التقنيات الجديدة وسرعة تطورها ستغير طبيعة العمل عبر كافة الصناعات والوظائف بشكل مثير، وكمثال كان العاملون بالزراعة، في الولاياتالمتحدة الأميركية، يمثلون تسعين بالمائة من قوة العمل في بداية القرن التاسع عشر، قبل دخول الثورة الصناعية الأولى باختراع المحرك البخاري، وهم يمثلون الآن أقل من اثنين بالمائة من القوة العاملة بأميركا. إلا أن السرعة التي تتطور بها التكنولوجيا الحديثة ستجعل الانتقال من مرحلة الى أخرى يتم في فترات أقصر كثيراً مما كانت الأمور تجري عليه في الماضى. وسيكون التحدي الأكبر أمام مخرجات التعليم في بلادنا وبقية العالم هو كيف يتم إعداد الطلبة لمواجهة تحديات الآلة المستقبلية التي أصبحت تفكر وتطور تفكيرها الى حد يتفوق الى حد ما على تفكير الإنسان. ومن السهل معرفة هذا التطور عبر استخدامنا لتطبيق شركة أبل (SIRI) كنموذج للمساعدين الآليين الأذكياء. حيث يتمتع بخاصية التعرف على صوتك، ويقوم بتلبية طلباتك عبر هاتفك، ويتم تطويرها بشكل متواصل بحيث تصبح المساعد الشخصي وجزءًا من البيئة الشخصية لنا، تستمع الينا، وتتوقع احتياجاتنا، وتساعدنا عند الحاجة، حتى ولو لم يطلب منها ذلك. وبينما يقوم المبرمجون البشر ببرمجة هذه الآلات، إلا أن الآلات نفسها أخذت تتولى برمجة بعضها البعض وتطوير برمجتها بشكل أفضل وأسرع وتوفير خاصية التفكير والتحليل والمبادرة بشكل يهدد بتخطي قدرات العقل البشري في هذه الأمور. وكل هذا يتطلب إعداد جيل جديد من الطلبة والطالبات يخرجون الى سوق العمل بأسلحة علمية وعقلية تختلف عما تعودنا عليه وتقبلناه حتى الآن.