أيهما أسهل، أن يزيح ترامب النظام في إيران، أم أن يزيح خامنئي الرئيس روحاني؟! أشد المراقبين تفاؤلاً لا يتوقع نجاح ترامب في إسقاط نظام الملالي في إيران، فقاعدة النظام عريضة، وأذرعته في الداخل طويلة ومتشعبة، بينما يبلغ مستوى تشابك المصالح بين الحرس الثوري والاقتصاد الإيراني، درجة تجعل سقوط النظام مرادفاً لسقوط إيران بكل تداعياته الإقليمية والدولية الثقيلة. يعرف المرشد علي خامنئي أن عاصفة الغضب الأمريكي قادمة، لكنه يعتقد أنها عاصفة عابرة، وبينما ينتظر ترامب سقوط إيران تحت وطأة أعنف عقوبات اقتصادية وتجارية في تاريخها كله، ينتظر خامنئي سقوط ترامب ذاته في معركة داخلية تدور رحاها الآن حول اتهامات لترامب بعرقلة العدالة فيما يتعلق بتحقيقات حول تدخل روسيا في نتائج الانتخابات الأمريكية التي حملت ترامب إلى مقعده الرئاسي في البيت الأبيض. يراهن ترامب على قدرة بلاده على حشد مشاركة دولية واسعة في العقوبات ضد إيران بحلول نوفمبر المقبل، تحت عنوان (من ليس معنا فهو ضدنا) وهو نفس العنوان الذي وضعه جورج دبليو بوش عقب هجمات سبتمبر قبيل غزو افغانستان والعراق. بينما يراهن خامنئي على قدرته على امتصاص صدمة العقوبات الأشد، عبر إجراءات داخلية في الغالب، بدأها بالفعل بحملة منسقة لإزاحة الرئيس الإيراني (الإصلاحي) حسن روحاني، الذي اتهمه خامنئي قبل يومين فقط بأنه هو من تسبب بالمهادنة والتراخي، في تحفيز الرئيس الأمريكي على تشديد العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي (5+1). خامنئي يرى أن الغلو والتشدد هو أنجع أسلحة إيران في المواجهة مع الولاياتالمتحدة، وأن التلويح بإزاحة (الاصلاحي) روحاني، هو تلويح ببدائل أكثر تشدداً، أما ترامب فيرى أن تشديد العقوبات ضد إيران، وضد من لا يشاركون في معاقبتها، هو السبيل لتغيير النظام الايراني، أو لتغيير سياساته على أقل تقدير. كلاهما، خامنئي وترامب، يراهنان على التشدد وتصليب المواقف، لكن هذا الرهان بذاته، يبدو أكثر قابلية للإنكسار، وأقل قدرة على كسر إرادة الآخر. نقطة الانكسار في خيار التشدد على الجانبين الإيراني والأمريكي، تكمن إيرانياً، في تراجع قابلية الشارع الإيراني لتحمل المزيد من الضغوط المعيشية -وهو ما يراهن عليه ترامب بالمناسبة- أما نقطة الانكسار في خيار التشدد على الجانب الأمريكي، فتكمن في محدودية تجاوب كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة (الصين والاتحاد الأوروبي) مع دعوة ترامب للالتزام بعقوباته ضد إيران. مرجعية التحفظ الأوروبي/الصيني، على المشاركة في عقوبات ترامب ضد إيران، تجعل احتمالات تراجع أي منهما عن تحفظاته محدودة، فكلاهما يعرف أن خرائط الأدوار المستقبلية تتقرر الآن، وكلاهما يتشكك في قدرة الرئيس ترامب على الاحتفاظ بمقعده الرئاسي، في خضم معارك قضائية وسياسية، تشكك في استحقاقه للمقعد الرئاسي الأهم في العالم، وكلاهما يراهن على أن العقوبات رهن ببقاء ترامب، ولدى أوروبا والصين مصالح تجارية ضخمة مع إيران، لا تعرض واشنطن بديلاً مناسباً مقابل خسارتهم لها. باختصار، فإن الملامح العامة للحظة الراهنة، تحملنا إلى توقع استمرار الضغوط الأمريكية على إيران، قبل بلوغ نقطة الانكسار، واستمرار حملة خامنئي الداخلية ضد روحاني، قبل بلوغ النقطة ذاتها، واستمرار مقاومة الصين والاتحاد الاوروبي لضغوط ترامب بشأن الانخراط في خططه لمعاقبة طهران. هذه المعطيات في مجملها، يمكن أن تقود في النهاية إلى صيغة حل وسط، يبلغها الطرفان عند نقطة انكسار موقفيهما، محور هذا الحل الوسط، تقليص مستوى التورط الايراني في شؤون الإقليم في اليمن والعراق بصفة خاصة، مع إحياء عرض ترامب بشأن استعداده للتفاوض مع إيران دون شروط مسبقة. الإيرانيون أساتذة في لعبة مضغ الوقت، والأمريكيون أساتذة في استنزاف اللعبة ذاتها، والمشهد مفتوح لمن يريد اختبار قناعاته السياسية بشأنه.. بمنطق اللعبة في إيران، قد نشهد تآكل سلطة روحاني، مع تهيئة منصة القرار الإيراني ليعتليها أحد الصقور. وبمنطق اللعبة في أمريكا قد يستطيع ترامب استهلاك وقت المحققين في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليحتفظ بمقعده حتى نهاية ولايته الأولى في نوفمبر 2020، وهو المدى الزمني الذي يراهن عليه خامنئي. يستطيع خامنئي تقليص نفوذ روحاني، وزعزعة رئاسته للبلاد، بدعوى تسبب سياساته اللينة، في تشدد السياسة الأمريكية تجاه طهران، لكنه يحتاج إلى هامش زمني متسع لا يبدو متاحاً في الظروف الراهنة، ويستطيع دونالد ترامب تشديد عقوباته على طهران، لكنه يحتاج إلى هامش زمني كاف لإخضاعها لشروطه، وهو مالا يبدو متاحاً بسبب معاركه الداخلية من جهة، ومعاركه مع كبار شركاء بلاده التجاريين في الاتحاد الأوروبي والصين. المشهد ساخن، والمشاهدة مثيرة.