تسعى أميركا بقوة إلى الحد من الطموح الصيني في أن تكون القوة المهيمنة الكبرى في آسيا والتوسع في ذلك إلى باقي العالم ، ولم ينجح الحديث عن أن الصين دولة شيوعية مركزية تعامل مواطنيها عبر إرهابهم وتخويفهم في جعل الدول الأخرى تتجنب التعامل مع الصين، إذ إن المواطنين الصينيين أصبحوا أكثر ثقة في بلادهم وحكومتهم، وكمثال غادر الصين العام الماضي حوالي مائة مليون صيني بتأشيرات سياحية وعاد بالفعل مائة مليون صيني الى بلادهم بعد انتهاء إجازتهم السياحية. وفي نفس الوقت أخذت بكين تستعرض قوتها الاقتصادية الهائلة في مد نفوذها الى الكثير من دول العالم التى رحبت بذلك وأضافت الآن الى مسعاها مشروعها الطموح مبادرة طريق الحرير. واستباقاً لذلك اقترحت هيلاري كلينتون عام 2011، وكانت حينها وزيرة خارجية أميركا، ما يبدو وكأنه «مبادرة طريق حرير جديدة» لتطوير المواصلات بين أفغانستان ووسط آسيا. وانطلقت هذه المبادرة بسرعة السلحفاة. ولم تنجح في منافسة المشاريع الصينية. الرئيس الصيني أعلن أن مبادرته لإنشاء «طريق الحرير» هي جزء من شعاره «حلم الصين» الذي يسعى لتحقيق حلم آسيوي باسفيكي»، وذلك عبر إنشاء طريق مواصلات يربط المحيط الباسفيكي ببحر البلطيق وكذلك شرق آسيا بجنوبها وبالشرق الأوسط لخدمة سوق تحتوي على ثلاثة بلايين شخص. وخلال زيارة له لأندونيسيا عام 2013 دشن ممراً مائياً تجارياً أطلق عليه مسمى «طريق الحرير المائي للقرن الواحد والعشرين» يشمل بناء وتوسعة موانئ، وإنشاء مناطق صناعية عبر جنوب شرق آسيا ومواقع أخرى، بما فيها سريلانكا، وكينيا، واليونان. وتقوم كذلك الصين عبر مبادرتها هذه بتمويل مشاريع بناء السدود وخطوط المواصلات وشبكات الكهرباء والمياه والكثير من المشاريع الحيوية التي تحتاجها دول العالم الثالث للخروج من أوضاعها الاقتصادية المتردية. وتقدم الصين التمويل في شكل قروض من بنوك صينية بشروط تمويل تجارية. وتتضمن الاتفاقيات التي تبرمها الصين مع هذه الدول أن تقوم الشركات الصينية بتنفيذ المشاريع وتمنح امتيازات خاصة بما فيها الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية كما يتم إنشاء مناطق صناعية تستثمر فيها الشركات الصينية بهدف تنشيط اقتصاد الدول المستهدفة. وتتم عملية التمويل والإنشاء والإقراض الصينية بعيداً عن المؤسسات الدولية التي أنشأها الأميركيون بعد الحرب العالمية الثانية. وتتحين واشنطن الفرصة لمواجهة ما أسمته بأنه «دبلوماسية فخ الديون» قائلة أن المشروع يكاد أن يشبه «مشروع مارشال» الذي أعاد بناء أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنه بينما كان «مشروع مارشال» يقدم منحاً في جزء كبير منه، فإن المشروع الصيني يوقع الدول التي يقرضها في ديون قد لا تتمكن من سدادها. وهو ما حدث مع سريلانكا التي قامت السنة الماضية بمنح الصين حقوق تشغيل الميناء الذي قامت ببنائه وذلك لمدة تسعين عاماً بسبب عجزها عن تسديد الدين وسط اتهامات أميركية وهندية، كذَّبتها الصين، بأنها كانت تسعى منذ وقت طويل لإقامة قاعدة عسكرية لها في تلك المنطقة . وأضافت صحيفة الوول ستريت جورنال في تحليل خبري لها بأنه من المعتقد أن الصين تستهدف نفس النتيجة فيما يتعلق بالميناء الذي تبنيه لباكستان على شواطئ بحر العرب. الرئيس الصيني، تشي، قال أمام مؤتمر قمة لدول المنطقة عقد في شنغهاي عام 2013 : «يعود الأمر الى الآسيويين لإدارة شئون آسيا، وحل مشاكل آسيا، والحفاظ على أمن آسيا» وواجه الانتقادات الأميركية بالقول أمام مؤتمر عقد خلال شهر أبريل الماضي إن مبادرة طريق الحرير ليست مؤامرة صينية ولا مشروع مارشال، إنما هي محاولة لبناء «مجتمع شراكة في المستقبل». أميركا بدورها تعود لدراسة أدواتها للهيمنة العالمية التي أنشأتها بعد الحرب العالمية الثانية حتى تتمكن من مواجهة الهجمة الصينية القوية على موقعها. وقد يكون دور إدارة دونالد ترمب هو جزء من إعادة النظر في تحالفاتها وأدواتها.