بين الطرقات الضيقة والرواشين العابقة بتفاصيل الماضي الجميل الذي يحكي قصة تراث اجتماعي خالد، كان «الكتاب» كعبةَ اجتمعت حوله النخب من اتجاهات ثقافية وفنية وعلمية واقتصادية مختلفة. كانت المناسبة بالطبع هي «اليوم العالمي للكتاب»، وكان التنظيم من فرع جمعية الثقافة والفنون بجدة، بحضور مدير الفرع الأستاذ محمد آل صبيح، وكان المكان الذي استضاف اللقاء متحف التشكيليين ببيت آرامكو في المنطقة التاريخية بقلب جدة النابض. كل شيء كان يشي بليلة ثقافية مميزة: بشاشة مدير البيت الأستاذ أحمد الهجاري وحفاوته الصادقة بكل من حضر، التنظيم والإدارة المحترفة للدكتور جمعان الغامدي عضو الجمعية الثقافية والمسؤول عن النشاط الثقافي بها، ضيوف اللقاء الرسميون: الشامخة شموخ هذا الوطن الدكتورة خديجة الصبان، والكاتب المثقف والجدلي على الدوام نجيب عصام يماني، وكاتب هذه السطور، بالإضافة إلى حشد واعٍ من فنانين ومثقفين ومهتمين، كان من بينهم الصحفي الجميل سعيد آل منصور، والفنان التشكيلي الدكتور سامي المرزوقي، ومنى الشيخ فنانة القطيف التشكيلية، التي يستضيف البيت معرضها الأخاذ (فتنة القمر). كان الحديث حميمياً: تحدث نجيب عن علاقته الطويلة بالكتابة والكتاب، عن بدايته بكتابة المقالة وتنقله بين الصحف السعودية، حتى استقر به المقام في عكاظ. كما عرّج على علاقته الطويلة بالكتب التي تنوعت بين الأدب والتاريخ والتراث الفقهي.. وشدد كثيراً على أهمية أن تعود الثقافة لنهر التسامح الذي انطلقت منه، وأن تعود الفنون البصرية والسمعية لتقدم دورها في خدمة المجتمع وتكريس قيم التسامح والتكاتف الاجتماعي. أما نجمة اللقاء خديجة الصبان فكان حديثها شيقاً نابعاً من خبرة طويلة وممتدة في عالم المعرفة والثقافة، لذلك حرصت على أهمية غرس قيم الثقافة، التي يمثّل الكتاب حصنها المنيع الأشم، عند جيل الناشئة، بتوفير كل ما من شأنه حضور القراءة الجادة والمفيدة، لتصبح منافسة لكل المشتتات 'السطحية‘ التي تعج بها حياتهم هذه الأيام. وضربت الصبان أمثلة جميلة ببعض المبادرات التي بدأتها، أو كانت طرفاً فيها، لتكريس قيم الثقافة الأصيلة. كانت رسالة الدكتور الصبان واضحة وصريحة:» لا يجب أن ننتظر المؤسسات الرسمية لتقوم بدورها في دعم الكتاب والثقافة، فمن السهل علينا أن نلقي باللائمة عليها خلف كل مظهر ثقافي سلبي لا يعجبنا، لكن السؤال المهم دوماً: ماذا قدم .. وماذا يمكن أن يقدم كل منا، وفقاً لإمكانياته، لدعم ما يؤمن به من قيم الثقافة الجادة!».. كان هذا هو السؤال!! سؤال ليلتنا التي جمعت الثقافة والفن والتاريخ في قاعة مكتظة بالتفاؤل والدفء.