كنتُ قد تناولتُ في مقالٍ سابق أهمية المال في شراء السعادة، استناداً على دراسة أظهر من خلالها الباحثون أن المال يُمكن فعلاً أن يُعزّز الشعور بالسّعادة عن طريق تسخيره لشراء الوقت وتوفير فائضٍ من ساعات اليوم، في إشارة إلى الارتباط القوي بين إنفاق المال لشراء وقت الفراغ، وتعزيز الرفاهية النفسية ومشاعر البهجة. وأتناول هنا اليوم منطقاً مُشابها يعزز صحة ما تقدّم، ويكرّس أهمية الوقت للشعور بالسعادة، فقد وجد باحثون أن الناس الذين يقضون أوقاتاً طويلة للبحث عن السعادة وعواملها، يفتقدون الوقت الكافي لذلك، وهذا بدوره -على عكس المطلوب- يجعلهم غير سعداء !. من المثير للاهتمام ما وجدَه الباحثان (كيم و ماجليو) في دراسة نشرتْها مجلة (سايكونومكس ريفيو أند بوليتين)، من أن «مُلاحقة السعادة» ووضعها كهدفٍ منشود غير مُحقق، وبذل كثير من الجُهد والوقت للوصول إليها، جعل الوقت لدى المُشاركين في الدراسة يبدو ضيّقا جداً لتحقيقها بشكلٍ كامل، مما انعكس سلباً على شعورهم بالسعادة، خلافاً للمشاركين الذين أمضوْا أوقاتهم في تقدير ما لديهم من مشاعر سعيدة، ومدى ما لديهم من عوامل سعادة يمتلكونها فعلاً. ويبدو أن المجهود الدائم والمستمر في سبيل تحقيق «هدف» السعادة، لايعني بالضرورة الوصول إليه، حيث من المهم أن يستشعر الإنسان السعادة في تفاصيل يومه وحياته بغض النظر عن امتلاكه عدداً من الأشياء المادية، فعلى الرغم من أهمية المال للسعادة، فإن إتاحة الوقت للشعور بالسعادة أهمّ من جعلها هدفاً بعيد المنال، كما أن التوازن في صرف الوقت في العمل، والترفيه، والعزلة، والتواصل الإيجابي مع بعض الناس، وتقدير السعادة، وممارسة الامتنان لكثير من النِّعم، من أساسيات الشعور بالسرور، فالسباق المحموم في سبيل مزيد من عوامل السعادة المادية، يُمارس ضغطاً كبيراً على المشاعر والانفعالات، وقد يحرِم الإنسان من الوقت المطلوب لمُمارسة هوايات تعزز شعورَه بالنشوة والهدوء النفسي، والتوقف قليلاً للتفكير في مساعدة الآخرين التي تعطي قدراً كبيراً من البهجة والرضا عن الذات، أو التمتّع بما لديه فعلاً من مصادر السّعادة الجليّة والخفيّة.