كم أنا معجب بالكم الهائل من الاختراعات والاكتشافات والصناعات والآمال والطموحات والأفكار والأطروحات التي يظهرها الإنسان لوطنه وأمته؛ فهذا صنع الطائرات وذاك الأسلحة والصواريخ والقنابل التي يدافعون بها عن أوطانهم، وذاك صنع الأجهزة الدقيقة، وذاك اكتشف العلاجات النادرة ليشفي بها جراح شعب وطنه، وذاك فتح الآفاق وربط الأقمار، بينما نحن نعيش من فتاتهم وندفع الغالي والنفيس للحصول على ما لدى الأمم المتقدمة، وما أنتجته عقول أبنائها، ونحن عندما نستذكر مثل هذه الحضارة لا نقصد جلد أنفسنا بتاتًا، ومن يعتقد ذلك أو حاول، فهو يعيش في وهم؛ لأننا أمة لم ولن تموت، حضارتنا ملأت الدنيا يومًا من الأيام، ونحن من أسس الحضارة إن كان الغرب يتنعم بها اليوم، ولكن المقصود من هذا المقال، أن يسأل كل واحد منا نفسه: ماذا قدّم لأمته ووطنه؟ هل قدمنا ما يرتقي بها ويرفعها نحو الأمام وفي مصاف الدول، أم ما يخجلها بين الدول كذاك الذي قدّم أطول سروال أم ذاك الذي التهم العديد من الوجبات الغذائية أم ذاك الذي يتراقص كالحية ويتناقز كالقطط بين الأسطح والمنازل، وغيرهم كثير، الذين لم يراعوا عقول أبناء الأمة، وما أنتجته من حضارة خالدة ذات يوم، كنت وما زلت كلما فكرت في شيء أو كتبت شيئًا، أقارنه بحضارة الآباء والأجداد، هل يليق بها؟ هل تفخر الأجيال به؟ هل ستهابها الدول؟ هل وهل وهل.. حتى ألغيه وأمزقه إربًا إربًا؛ لأبدأ من الصفر وأبحث عما يليق بها. كنت قد شاهدت الطائرة الكونكورد، كيف تقلع من الأرض مخترقة السماء التي تعتبر أسرع من الصوت، كيف اخترعها أبناؤها؟ كيف يعيشون بعد أن قدموا لوطنهم مثل هذا العمل العظيم؟ أليس في فخر وفي عزة وسمو! لأعود وأعاتب نفسي، هذا ما تفخر به الأوطان والأجيال، ولأسأل نفسي: ماذا قدمت لوطنك وأمتك؟ ولذلك، قد يلومني البعض على أني لست معهم في المجالس أو لا أحسن التسلّط الإداري أو الترفيه الاجتماعي؛ لأنه باختصار ليس لدي ما أقدمه لأمتي وموطني، أو لم يحن بعد ما أقدمه، فإن لم أقدّم وطني، فلن أتقدم عليه أبدًا. (أموت وتحيا بلادي).