شخص يملك عملا تجاريا ناجحا، كبر أولاده، وبدأ أحدهم يشارك والده في إدارة التجارة، وساهم الابن بما اكتسبه من خبرة، وتعليم متخصص في الإدارة، في تطوير تجارة والده، وزيادة الأرباح. تقاعد الأب وترك لابنه الإدارة، واستمر الابن في التوسع -بإشراف الوالد- مما ساهم في مضاعفة الأرباح، وزيادة القيمة السوقية لتجارة والده. توفي الأب فجأة؛ وبدأت نقطة التحول في تجارته وفي عائلته! حيث بدأ باقي أبنائه بالتدخل في إدارة الشركة؛ وأخذوا -بحكم أنهم أغلبية- في فرض آرائهم في إدارة الشركة على أخيهم المدير، والتشكيك في قدرته على إدارة الشركة بنجاح، مما أدى إلى تدهور أوضاع الشركة كثيرا وتراكم الخسائر؛ ودب الخلاف بين الأبناء، إلى أن وصل الأمر إلى القضاء!. وحكمت المحكمة بتصفية الشركة لاستشراء الخلاف بين الشركاء (الأبناء)، وضاع كل شيء. القصة السابقة ليست غريبة على كثير منّا، وبالتأكيد سبق لأكثرنا سماع قصص مشابهة لها؛ والسؤال الذي قد يدور في عقول الكثير: هل من الممكن تلافي تكرار سيناريو تلك القصة مع شركات وأعمال قائمة اليوم؟ بالتأكيد ممكن، وليس من الصعوبة التقليل -على أقل تقدير- من احتمالية تكرار مثل تلك القصص؛ وذلك بوضع خطة تفصيلية محكمة للخلافة في إدارة الشركات والثروات العائلية (Succession Plan )، تراعي طبيعة الشركة أو الثروة، وثقافة وبيئة العائلة، مع ضرورة اطلاع الأبناء عليها، وأخذ مرئياتهم حولها، والاستعانة بخبرات قانونية متمرسة لصياغتها. ومن الضروري عند إعداد خطة الخلافة الاهتمام بالآلية المستقبلية لإدارة الشركة (أو الثروة، أو العقارات، إلخ..)، والتركيز على الاستمرارية والنمو، ومصلحة الأبناء، قبل كل شيء؛ وليس بالضرورة أن توكل الإدارة من بعد الوالد المؤسس إلى أحد الأبناء، فترك أمر الإدارة إلى الأبناء ناقصي الخبرة وغير المؤهلين لإدارة الشركة سيؤدي في الغالب إلى انهيار الشركة بعد رحيل الوالد المؤسس؛ لكن المطلوب هو البعد عن العواطف، واختيار أصحاب القدرات والخبرات -من الأبناء أو من غيرهم- القادرين على تحقيق استمرارية الشركة. وأنصح -بل أرجو- كل من يملك عملا تجاريا، أو لديه ثروة من أي نوع، أن لا يترك الأمور على عواهنها، وأن يبادر فورا إلى وضع «خطة خلافة» لترتيب إدارة أعماله أو ثروته من بعده، وإدراجها ضمن وصية موثقة رسميا، حتى يضمن -بإذن الله- استمراريتها لما فيه غبطة أبنائه. يقول الله تعالى: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدًا).