الاختلاف في الرأي سمة العقول الناضجة ودليل لثراء وخصوبة وفهم القضايا المطروحة.. ففي بعض الحالات عندما يختلف الشخص مع صديقه على أمرٍ ما، تبدأ بينهما المناقشة عادية جدًا ومن ثم تتحول إلى جدل والجدل إلى شقاق وسرعان ما يتطور الموقف إلى تشابك بالأيدي ويقسم كل منهما على مقاطعة الآخر ويكون سبب الخلاف أهون مما حدث. وهكذا نحن نفتقد في أغلب الأحوال إلى ثقافة الاختلاف، إن الاختلاف بين البشر أمر طبيعي فقد خلق الله عز وجل الناس مختلفين ولا يزالون كذلك فليس كلما يعجبك بالضرورة سيعجب الآخرين، وكذلك الأفكار والمعتقدات. والذي يحزنني كثيرًا عندما أسمع ما يدور بين أبناء المجتمع الواحد وخاصة ممن يدَّعون أنهم أصحاب فكر وثقافة واسعة، حيث تظهر في أغلبية مجتمعاتنا العربية ثقافة يسودها الخلاف بمعنى الشِجار والصراع.. فتظهر نتيجة واحدة تؤكد أن طبيعة أولئك البشر تحمل من مشاعر العدوانية والحقد والبغض والاستكبار مما يجعلهم في حالة تخالف وتختلف مع كل فكر أو رأي أو حتى وجهة نظر. إن الناظر والمتأمل في سيرة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يعلم بأنه عليه الصلاة والسلام يؤمن بثقافة الاختلاف، والتي هي مناقضة تماما لثقافة الخلاف، حيث كان عليه الصلاة والسلام يشاور صحابته الكرام ويستشيرهم ويأخذ بآرائهم ومقترحاتهم.. ولنتأمل في قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ). إنه من الجميل أن نتحاور دون تهميش أو إقصاء، والأجمل أن نتبادل المعرفة والرأي دون ترهيب! والقضاء على كل أشكال التعصب وإشاعة قيم التسامح والمرونة، خصوصا لدى الأجيال الشابة، التي لا ينتمي الكثير من أفرادها اليوم للحوار، لأنهم نشأوا في غيابه واعتادوا على ثقافة اللون الواحد ولم يجدوا سوى ثقافة القهر والتسلط.. فلولا الاختلاف في أنماط التفكير لما تطور الإنسان وكما يقولون (اختلاف الأمة رحمة بالأمة)، لذا يجب علينا أن نغرس في أجيالنا من الصغر ثقافة الحوار واحترام حرية الرأي والتعبير وأن الاختلاف يجب ألا يفسد للود قضية.