نحتاج إلى تعلم ثقافة الاختلاف لا الخلاف، فليس كل ما يُعجبك بالضرورة يُعجب الآخرين، وليس كل ما تؤمن به من أفكار ومعتقدات بالضرورة يكون له لدى الآخرين نفس الاعتقاد والإيمان أو له نفس الدرجة من التأثير والأهمية، وليس كل ما تراه صحيحا هو في نظر ورؤية الآخرين كذلك، وقديما قيل: الناس فيما يعشقون مذاهبُ، وكما قيل: لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع. لعلنا قد لا نختلف على أن من حقّ أي إنسان في هذا الكون أن يحبّ ما يشاء، وأن يكره ما يشاء، يؤمن بما يشاء من الأفكار، يرفض كذلك ما يشاء في هذه الحياة من أوضاع أو مفاهيم؛ لكن ليس من حقه أن يفرض كذلك على الآخرين أن يكونوا صورة مكررة منه، كما أنه ليس من حقه أن يقف موقف العداء مع الآخرين في حالة الاختلاف معه، أو أن يُسفّه آراءهم ومعتقداتهم وأذواقهم. ويحزنني كثيرا عندما أسمع ما يدور بين أبناء المجتمع الواحد، خصوصا بين تلك الفئة من الناس ممن يدّعون أنهم أصحاب فكر وثقافة واسعة، وهي ظاهرة تدل على أن أغلبية مجتمعاتنا على ثقافة يسود فيها الخلاف، بمعنى مخالفة كل ما هو يُعارض أفكارنا وميولنا، الخلاف يحمل في كنهه معنى الشجار والصراع، غير أن الاختلاف يعني التباين والتنوّع، فكما خلق الله أشكالنا وقدراتنا متباينة مختلفة، كذلك خلق لنا طبائعنا متنوعة، وبالتالي بسبب التباين كان لا بد من حصول الاختلاف. وبعد تحليلي لشخصيات من حياتي اليومية تستبد وتتمسك بآرائها تبين أن طباعهم تحمل من مشاعر العدوانية، الحقد، البغض، والاستكبار ما تجعلها في حالة عمى عن سماع كل صوت أو الاستجابة مع كل فكر أو رأي، أو حتى وجهة نظر. وأخيرا أرى أن أدب الخلاف ينحصر في جملتين مهمتين لو تمثلهما كل مَن يدخل نقاشا لانتهت كل الإشكالات التي تصاحبها، وهما: - رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. - إنما المسلمون إخوة، فلا يمكن أن تجد من يكفّر أخاه أو يسبّه. نسرين عبدالعزيز الطويرقي