مازالت ردود الفعل الإيرانية حول إقرار الكونجرس الأمريكي بمجلسيه، النواب والشيوخ عقوبات على إيران، مستمرة بانفعال شديد. والمتابع لما يدور في أوساط الإيرانيين - رسميين وعامة - يدرك حجم الصدمة التي لم يتوقعها الإيرانيون من تمرير قانون «مواجهة أنشطة إيران المهددة للاستقرار» ، فالكل داخل إيران يتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وإدارة رئيسها دونالد ترامب ،والكل يهددها ويتوعَّدها بالويل والثبور وعظائم الأمور ، حتى يُخيَّل للمرء أن إيران أصبحت إحدى الدول العالمية العظمى سلاحاً واقتصاداً وتأثيراً. الرئيس حسن روحاني لم يتركْ الفرصة وخوفاً من اتهامه بالتراخي مع الساسة الأمريكيين لمواقفه السابقة الداعمة للاتفاق النووي مع الغرب، قال يوم أمس الأول: «إن العقوبات الجديدة التي فرضتها الولاياتالمتحدة ستكون واشنطن هي أول المتضررين منها، وستجعلها دولة معزولة في العالم» . وخطاب كهذا يذكِّرني بالتهويمات والخطابات الحماسية التي شهدها العالم في فترات سابقة خاصة إبان المد الثوري برعاية الاتحاد السوفيتي والتي تمتلئ بمفردات ومصطلحات يظن معها المرء أن العالم سيتحول إلى كرة نار ودمار فوق الخيال. ثم اتضح بعد ذلك أن كل ذلك لم يكن سوى بروبجندا و «هياط» لتسويق أفكار وأيديولوجيات وزعامات وهمية، وهو ما ينطبق على تصريح روحاني، فلا أعرف كيف يمكن أن تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية أول المتضررين من فرض عقوبات على كيانات وأشخاص إيرانيين؟ فهل إيران هي القوة العظمى التي تدير العالم ولها تأثيراتها في المنظمات والمحافل الدولية؟ وهل هي أكبر قوة عسكرية في العالم؟ وهي أيضاً أقوى قوة اقتصادية على وجه الكون؟ وهي التي تمد البشرية من مختبراتها ومعاملها بالاختراعات في كل مجال والعالم يلاحق ويتابع ذلك؟! أما السياسي الظريف اسماً وقولاً وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فكان له أيضاً تهديد آخر لكن بطبيعة وهدف مختلفين في قوله: «إن خيار خروج طهران من الاتفاق النووي مطروح على الطاولة!؟» . وقول كهذا فيه أيضاً من التعجب والاستغراب الشيء الكثير، فهل مثلاً خروج طهران يعني تضرر العالم لأن إيران ستتحول إلى قوة نووية كبرى تهدد العالم وقد تحوِّله إلى ركام؟ وهل من صالح العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط بقاء إيران ضمن الاتفاق النووي؟ ربما نسي أو تناسى السيد ظريف أن كل دول المنطقة عدا الذليلة التابعة لطهران عارضت إبرام الاتفاق النووي بين أمريكا والدول الأوروبية مع إيران إبان فترة رئاسة باراك أوباما للولايات المتحدةالأمريكية والذي كان طعنة في ظهر حلفاء وأصدقاء لأمريكا !، كما يعلم السيد ظريف أن المستفيد الأول والأخير من توقيع الاتفاق هو نظام ملالي طهران لأنه وفَّر لهم حماية وقتية من الانهيار وقدَّم لهم على طبق من ألماس فرصة التأثير في شؤون منطقة الشرق الأوسط بعد العزلة والحصار السابقين المفروضين عليهم. كما أن الاتفاق وفَّر لنظام طهران مبالغ مالية طائلة من أرصدتها المجمَّدة، مما مكَّنها من دعم بعض مساراتها الاقتصادية الداخلية في ظل المعاناة المعيشية التي كان يعيشها الإيرانيون. ومكَّنها أيضاً من توفير المبالغ الكافية لدعم نشاطاتها وتدخلاتها في دول عدة في المنطقة عبر الأحزاب والكيانات التابعة لها كحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين. ردود الفعل الإيرانية الحالية ليست سوى مؤشرٍ على مدى إدراك نظام الملالي بأن فرض عقوبات أمريكية عليهم وعدم تنفيذ إدارة الرئيس ترامب لبنود الاتفاق النووي إنما هي بداية لخلخلة نظام الملالي وإنهاء تأثيراته في دول المنطقة وربما يقود في النهاية إلى تغيير النظام بأكمله كما صرح بذلك العديد من المحللين والسياسيين الإيرانيين أنفسهم.