* كثير من المعاملات الحياتية نجريها يوميًا، ونتجاهل توثيقها أو نتكاسل، أو نخجل من الآخرين.. بحجة أن العلاقة في أفضل حالاتها. ولكن من يضمن دوام الحال؟ * أقصد بالتوثيق معناه الواسع، في كل شيء، فالذي يوثق رحلاته يحظى بذكريات جميلة، والذي يوثق إنجازاته يستفيد لاحقًا، والذي يوثّق تعاملاته يصبح قويًا واثقًا وضامنًا لحقه. * ومع أن عصرنا باتَ تكنولوجيًا، والكتابة والتوثيق أصبحا أسهل وأسرع من أي وقتٍ مضى.. إلا أن ثقافة التوثيق ضعيفة رغم أهميتها. وفي المقابل، انتشر - ما أطلقت عليه - التوثيق «الترفيهي» ، وهي عادة سلبية متفشّية؛ تصوير الطّلعة و»الخرجة»، والغداء والعشاء، والتّغريد عن الغثّ والسمين... إلى آخر القائمة المكتظّة بقتل الخصوصيات. * ولو قمنا بعمل احصائية، على الصعيد القانوني، لوجدنا ان معظم النزاعات تحدث نتيجة لانعدام التوثيق أو الاكتفاء بتوثيقٍ رمزي لا يضم بنودًا مفصّلة تنظم تعامل الطرفين. * كثير من الحقوق ضاعت بسبب غياب الحرص على التوثيق، والإفراط في حسن الظن، وأنا هنا لست أحذّرك من حسن الظن -عزيزي القارئ- ولكن أحسن الظن ووثّق! فالاثنان لا يتنافيان، ولا يتناقضان بتاتًا! * لذلك خذها نصيحة محب: اهرب من التعاملات الشفوية، وثّق ولا تخضع لذريعة الثقة؛ وتمسّك بثقتك هونًا ما، عسى أن يخيب ظنّك يومًا ما. * وعلى سيرة هذا الموضوع، قرأت قصة طريفة وددت مشاركتكم بها: وهي أن أحدهم كان مسافرًا على الدرجة الأولى بالقطار. وبعد فترة من تحرّكه، جلست فتاة جميلة في المقعد المقابل له، مع ابتسامة واسعة. وبينما كان صاحبنا المسافر سعيدًا، انتقلت الفتاة فجأة للجلوس بجانبه، وبعد بضع دقائق همست في أذُنه: سلّم كل ما عندك من نقود، وبطاقات ائتمانية، والجوال، وإلا سأصرخ وأصيح وأقول للجميع أنك ضايقتني وتحرّشتَ بي! حدّق صاحبنا في عين الفتاة، ثم أخرج من جيبه قلمًا وورقة صغيرة وكتب بها: «أنا لا أسمع ولا أتكلم، اكتبي في هذه الورقة ما تريدين أن تقوليه» وفعلًا كتبت الفتاة كل ما قالته مؤخرًا، حينها وضع المسافر الورقة في جيبه، وقام من مقعده وقال للفتاة بنبرة واضحة بعدما وثّق ابتزازها: اصرخي كما شئتِ الآن! *** وقفة: قال الله تعالى (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا...) السآمة: هي الملل والضّجر.