رغم محدودية وسائل الإعلام سابقًا واقتصارها على الأركان الثلاثة تلفزيون وإذاعة وصحف، ومع أن كليات الإعلام كانت أيضًا نادرة، إلا أن الإعلام وقتها أنتج لنا قامات إعلامية لم تتكرر، فقد جمعت تلك القامات الثقافة والعلم بالإعلام، لتكون رموزًا شاهدة على تمكن الإعلامي في ذلك الوقت من مهنة المصاعب، لكنه بقي محتفظًا بمسماه الحقيقي الذي يقوم به فالصحفي بقي صحفيًا، ومذيع الأخبار بقي مذيعًا والمقدم عرّف نفسه بأنه مقدم برامج، لم نسمع أحدًا منهم سمّى نفسه إعلامي، رغم التفوق والإنجاز والعمل بمهنية عالية. وفي وقتنا الحالي ومع انطلاق مئات القنوات والمحطات الفضائية وتنوع مصادر الإعلام ووسائله وولادة الإعلام الإلكتروني الجديد بكافة أشكاله، ومع فتح كليات للإعلام في كل مكان وتخرج المئات منها، إلا أن الواقع يؤكد أن الإعلام لم يعد كما كان حتى مع تحرره من القيود ومقص الرقيب، وتوفر العديد من الفرص للتعمق فيه ودراسته أكاديميًا، أو حتى الحصول على دورات متخصصة في أحد فروعه. ورغم أن مسمى الإعلامي لا يوصف به إلا من تدرج في العمل الإعلامي ومارس كل فروعه من التحرير والمراسلة والإذاعة والتقديم و.. و.. و..، إلا أن طالبي الشهرة ومحبي الأضواء سموا أنفسهم إعلاميين بعد أول (سنابة) أو صورة نشروها في وسائل التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن ما قدموه، والذي في غالب الأحيان لم يكن أكثر من تفاهات وسخافات قدمت على أنغام الشيلات والأغنيات، بطريقة هزلية سموها كوميديا السوشال ميديا، وبعضهم نصب نفسه خبيرًا دوليًا في كل علم يستطيع قراءة مسماه فقط، وتحدثوا هنا وهناك وأكدوا صحة ما يقدمونه من معلومات لا تمت للعلم والحقيقة بصلة، ضاربين بعرض الحائط أن الإعلام مهنة الصعاب لها قواعد وأصول وقوانين.. وحشروا أنفسهم حتى في علوم السياسة وتشريعات الدين، بل قام الكثير من إعلاميي الغفلة بتحليل ما يجري على الساحات السياسية وطرحوا توقعاتهم الاستثنائية لما يحدث.. والأغرب من ذلك أنهم وجدوا من يتابعهم ويؤيدهم ويصدق ما يختلقونه من حقائقهم الطبية والصحية وحتى فتاويهم الشرعية.