منذ العاشر من رمضان الموافق للسادس من أكتوبر عام 1973 لم تشهد الأمة فرحة مثل تلك التي غشيتها يومي الخميس والجمعة ! لقد ظن البعض أن انتفاضة الحجارة التي زلزلت الكيان الصهيوني المحتل كانت ومضة واختفت مثل كل الأشياء الجميلة في حياتنا قبل أن تأتي انتفاضة الجسارة أقوى سطوعاً وأشد زلزلة! وهل أتاك خبر فتيان وفتيات القدس؟ زهر يتفتق في الأغصان ويدندن عند مغيب الشمس، ويشارك كل صباح في موكب عرس بأريج يتزود منه القلب الصادي والعقل الظمآن! وهل أتاك حديث الأمهات الفلسطينيات؟ يتحدين ليالي الخوف ويواجهن مقولات الزور كحد السيف، ويمزقن بإيمانهن الصافي أوراق الزيف! أيتها الأم الفلسطينية.. يا أم الشهيد المزهوة في النفير للأقصى كأنه عيد.. وزِّعي الحلوى على الأطفال..انثري الزهور وأنت تلمحين وجهه وهو يعلو منارات الجمال. هل رأيت القدس أمس وهي تمشي في دلال، تنثر الملح في وجوه كل من قال: إن عاصمة فلسطين الأبدية لم يعد فيها رجال! ويا أيها المرابطون الصامدون الثائرون الذين ظلوا يُكبِّرون ويهتفون للقدس والأقصى بلا خوف ولا تردد ولا فتور.. لقَّنتم العالم كله درساً مفاده..أنه لن يضيع بعد اليوم حلم.. مادامت خطى الفلسطينيين جمرة وزحفهم هديراً. أنتم وحدكم الأمل.أنتم نعم الرسل..لا تنتظروا من غيركم خطى بائسة يحدوها الكسل! واصلوا وكبِّروا وقودوا هذه الأمة لا يوقفكم خوف أو وعد أو أي علل! أيها الفلسطينيون الذين يولدون من جديد..ويصمدون للأبد.. والذين تخلو أهازيجهم من الزيف والزبد ..والذين ثاروا وطاروا نحو نوافذ الشوق البعيد.. ازرعوا عند نصب الشهيد..مشاتل ورد.. وضعوا للأمة علامة نصر أكيد! أيها العربي اليائس التعيس: هل شاهدت واستمعت على الهواء هدير بل زئير فلسطين يوم الخميس؟ وهل رأيت هذه السيدة الجريحة التي سجدت في ساحة الأقصى يوم الجمعة.. تلثم أرضه؟ وفتاة تلقي بعروته زهرة..وشيخاً تملأ وجهه الابتسامة والنظرة.. والحلوى توزعها الخالة والعمة؟!ّ بالروح والدم نفديك يا أقصى! قالوها وفعلوها.. فليستحِ اليائسون الميئسون، وليخرس الكذب.. وليفسح المعطلون المعرقلون الطريق لأسراب الحمام في حقول الزيتون والعنب، كي يرفرف علم فلسطين في بيوتنا وفي قلوبنا المليئة بالأشواق والغضب! لقد بات واضحاً بل ثابتاً أن الهتاف للقدس يزلزل الكنيست ويربك السلاح، ويخرس النباح.. نباح الذين يروجون لأكذوبة الوطن الذي انتهى والحلم الذي لن يطال، وحق العودة الذي بات من المحال.. هاهم أبناء فلسطين يقابلونهم بالجموح الجميل.. وبالعزم الذي لا يعرف المستحيل.