قصدتُ عمدًا استخدام مصطلح السياحة البرية، بدلًا من السياحة الجيولوجية في عنوان المقال، لتقريب مفهوم «السياحة الجيولوجية» لكثير من المواطنين والمقيمين، والذين يقومون بكثير من الرحلات البرية، لعدد من المظاهر الطبيعية الصحراوية للمملكة. وغالبًا ما تتم هذه الرحلات للمعالم البرية الصحراوية، للتنزُّه والاستكشاف، أو لقضاء سويعات أو أيام في البرية، وممارسة رياضات التسلق أو التجول، ومراقبة الحياة الفطرية من حيوانات أو طيور أو نباتات. وحقيقةً، إن الكثير يقوم بمثل هكذا، لغرض الاستمتاع بالطبيعة مع التخييم في تلك المناطق بدون فهم كامل، لما حوله من مظاهر ومعالم وأشكال صحراوية وكيفية تكوُّنها، وبدون اهتمام للأسف، بالمحافظة على سلامة وحماية تلك المعالم من التدمير أو العبث بها، أو على نظافة المَعْلَم وما حوله، مُخلِّفين الكثير من النفايات التي تُشوِّه جمال الحياة البرية بمختلف عناصرها، بما يُخالف مبدأ مهم في السياحة عمومًا، وهو مبدأ السياحة المستدامة التي تحافظ على المكان، وتصونه من العبث البشري. ولتحقيق هدف أن تكون السياحة الصحراوية، سياحة مستدامة، فإنه من المهم جدًا تطوير مفهوم السياحة الجيولوجية، والتي تهتم بها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أيما اهتمام. ولكن هناك عناصر أخرى من الضروري الاهتمام بها وتفعيلها، لكي تكون لدينا سياحة جيولوجية مستدامة ناجحة. والسياحة الجيولوجية ببساطة تقوم على أساس أنها سياحة لمناطق جيولوجية كالبراكين والكهوف والجبال والشواطئ وغيرها من المعالم الجيولوجية. ولكن السياحة الجيولوجية تشمل أيضا مفهوم آخر ومهم، وهو حماية المعالم الجيولوجية من العبث والتدمير. لذا تعتبر هذه المعالم عنصرًا تراثيًا (تراث جيولوجي) لأي بلد. كما أن السياحة الجيولوجية تشمل الاهتمام بالحياة الفطرية والثقافة المحلية للمجتمعات القريبة من هذه المعالم الطبيعية، ومشاركتها بصورةٍ فعَّالة في تنمية هذه المناطق الطبيعية، وبذلك يمكن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة لهذه المجتمعات. بناءً على ما ذكرناه من مفاهيم بخصوص السياحة الجيولوجية، فإنه من الضروري اتباع إستراتيجية مبنية على عناصر ومفهوم شامل ومتكامل يعتمد على مجهود تنظيمي وعلمي وإداري، تبدأ مرتبة تصاعديًا، من تسجيل المعالم الجيولوجية في قائمة وطنية شاملة تحت مسمى التراث الجيولوجي السعودي تراعي شروط اختيار هذه المعالم، مرورًا باتخاذ إجراءات تنظيمية وتشريعية لحماية هذا التراث الجيولوجي. يلي ذلك إنشاء الشبكة الوطنية السعودية للمنتزهات الجيولوجية والتي ستكون هي الجهة التي ترسل لها ترشيحات إنشاء منتزهات جيولوجية محلية واعدة، وفق قواعد منظمة اليونسكو للمنتزهات الجيولوجية العالمية. هذه الخطوات مهمة وضرورية لنجاح سياحة جيولوجية واعدة بالمملكة. ولكل من الخطوات السابقة والمتداخلة قواعد وعناصر إدارية وعلمية، لابد من تحقيقها، وهو ما سيتم تناولها في مقالٍ قادم إن شاء الله.
