دائماً ما يكون الفرار من الأشياء المرعبة أو من مشاكل نقع بها أو من أشخاص نخافهم ولا نجد الحل إلا بالفرار والابتعاد عنها قدر الامكان خوفاً من الخوض فيها وتغلبها علينا، ولكن هذا في أمور الدنيا التي نخوضها ونحيا ونعيش بكل مرحلة من مراحل حياتنا واعمارنا، حتى نستفيق على أعتاب الشيخوخة ونتفاجأ بسرعة الوصول اليها ونبدأ باحتساب أعمارنا التي مضت وننتظر نهايتها ،سنة الله فينا في طريق كل الخلق سائرة حتى نصل الى النهاية الحقيقة التي لا فرار منها أبداً مهما كنت ومهما حاولت ومهما ملكت ومهما خلفت ،المصير محتوم وواحد. يقول تعالى في كتابه العزيز: (ففروا إلى الله إنني لكم منه نذير مبين)، هذه الآية من أعظم آيات القرآن الكريم، تجمع معاني الخوف والرجاء،الخوف من الله تعالى، واللجوء إليه سبحانه، إذ لا منجى منه إلا إليه عز وجل، أمر بالفرار منه إليه ليدل العباد على أنه أرحم بهم من كل من سواه، وأنه عز وجل يريد بالعباد الرحمة والمغفرة، والفرار هنا من المعاصي الى المغفرة، من العقاب الى الرحمة، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، من الغفلة إلى ذكر الله، فرارٌ من ضيق الصدر وانقباضه إلى طمأنينة القلب وانشراحه، من القلق إلى قرة العين، من ذلّ الشهوة ومرارتها إلى عز الطاعة وحلاوتها فمن استكمل هذه الأمور فقد استكمل الدين كله، وقد زال عنه المرهوب، وسمى الله الرجوع إليه فرارًا لأن في الرجوع لغيره أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه، إلا الله تعالى فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه ،الفرار بالتوبة والعودة الى طريق الحق والصواب وهذا يكون للسعداء فقط بالوصول للجنة نتيجة لهذا الفرار . اليوم اتخذ هذا القرار الخطير بأن تفر إلى الله كما يطالبك الله بهذا القرار الذي لا زلت تمتلك حق اتخاذه حتى الأن وقبل فوات الأوان وقبل أن يأتي الوقت الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون كما جاء في القرآن الكريم ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ وأيضاً ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾ يا خيبة العمر الذي يقضيه الإنسان في جهلٍ، وحمقٍ، وتنعمٍ، وغفلةٍ عن الله عز وجل، وكلما صحّ لك هذا القرار بالفرار تذوقت ألواناً من أسرار العبادات، تجعل قلبك يهتز وروحك تنتشي، وعقلك يهدأ، وعينك تقر، ونفسك تطمئن، والله الذي لا إله إلا هو بقلب المؤمن من السعادة ما لو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم، وبقلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم، ففرُّوا الى الله حتى تلقوه.