احتفلت المدينة المنوَّرة في عام 2013م، باختيارها عاصمةً للثَّقافةِ الإسلاميَّة، وتمَّ حينها تقديم الفعاليَّات الثَّقافيَّة والأدبيَّة التي تواكب الحدث، وتُفصح عن القيمة الكبرى التي اكتنزتها طيبة الطَّيِّبة منذ بزوغ فجر الإسلام، وعلى امتداد عصور متوالية شهدت فيها نشاطًا علميًّا ملموسًا.. وفي هذا العام احتفلت المدينة بمناسبة اختيارها عاصمةً للسِّياحة الإسلاميَّة لعام 2017م، إثر القرار الصَّادر من منظمة التَّعاون الإسلاميِّ، وانطلقت منذ مطلع العام تظاهرة ثقافيَّة وعلميَّة واجتماعيَّة في ربوع طيبة، شاركت فيها كثيرٌ من الجهات الرَّسميَّة والدَّوائر الحكوميَّة؛ للتَّعبير عنها بما يتلاءم والمناسبة، وبما تكتنزه طيبة من ألوان الأدب والثَّقافة والفكر، وما أشار إليه المؤرِّخون من أنَّ لها حضورًا في ذاكرة التَّاريخ، انغمس في جذورها، وأعماقها، وتجلِّياتها في العصر الإسلامي، وذلك بوصفها حاضنةً للدَّعوة، فقد شرَّفها الله تعالى بهجرة الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحابته الأبرار -رضوان الله تعالى عليهم-، فكانت محضن الدَّعوة، وعاصمة الإسلام الأولى، ومن على ثراها انطلقت الرِّسالة إلى أرجاء المعمورة حاملةً أنوار الهداية والإيمان. ولقد كانت منزلة المدينة حاضرةً في شعر شعرائها المعاصرين، بل شكَّلت عالمًا خصبًا في أشعارهم، ومن هؤلاء الشُّعراء عبيد مدني، الذي نظم ديوانًا كاملاً سمَّاه «المدنيَّات»، وفيه قصيدة بديعة سمَّاها «الرَّوضة النَّبويَّة الشَّريفة»، يتناول فيها قداسة المكان وجلالته ومكانته في النُّفوس ومطلعها: القَدَاسَاتُ والهُدَى والَجلَالُ والعِنَايَاتُ والسَّنَا والجَمَالُ والطَّهَارَاتُ والمُنَى والتَّجَلِّي والشُّعَاعَاتُ والجدى والكمالُ كُلُّهَا هَاهُنَا وإليْهَا ترحلُ النَّفْسُ والحِجَى والسُّؤَالُ تَتَرامَى على ثَرَاهَا وتَرْجُو في حِمَاهَا ألَّا يَخِيبَ المآلُ وحين يصل الشَّاعر إلى تلك البقعة المباركة في المسجد النَّبوي الشَّريف، التي وصفها المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم بأنَّها روضةٌ من رياض الجنَّة، فإنَّه يستشعر تلك المكانة التي لا مثيل لا على وجه الأرض، فهي مكانٌ مترعٌ بالقداسةِ، تهفو إليه النُّفوس، وتطمئن إليه القلوب لعظمته وجلاله. رَوْضَةٌ دونها ذَوَى كُلُّ رَوْضٍ وَمَعِينٌ ومَا سواها آلُ تطمئنُّ النُّفُوسُ فيها وتَصْفُو ويسودُ القَبُولُ والإِقْبَالُ وهو المعنى ذاته الذي أشار إليه شاعر آخر من شعراء المدينة النبويَّة، هو محمد العيد الخطراوي، الذي قال: هَذِهِ الرَّوْضَةُ الشَّرِيفَةُ فَاسْجُدْ في حِمَاهَا للخَالِقِ المَعْبُودِ وتَعَطَّرْ بَأَرْضِهَا، فَثَرَاهَا مُنْيَةُ النَّفْسِ للفُؤَادِ العَمِيدِ وتَوَجَّهْ للهِ، واحْمَدْهُ، وامثُلْ بَيْنَ أَرْجَائِهَا مُثَولَ العَبِيدِ هَا هُنَا كَانَ لِلرَّسُولِ رُكُوعٌ وَهُنَا كَانَ في جِلَالِ السُّجُودِ بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَري لَرِيَاضٌ مِنْ رِيَاضِ الجِنَانِ في ذَا الوُجُودِ وهذه المعاني جاشت بها نفوس الشعراء المعاصرين وهم يفصحون عمَّا احتضنته مدينتهم طيبة من قيم دينية، ومعالم لا مثيل لها، حلَّقوا بأشعارهم متأمِّلين فيها، ومعبِّرين عن مكانتها في النُّفوس.