مساء الثلاثاء الماضي، الثامن عشر من شهر رجب، انطلقت التبريكاتُ والتهاني من قلوب السعوديين إلى اثنين من خيرة الشباب المثقَّف الواعي والموهوب، الروائي محمد حسن علوان، والشاعر إياد الحكمي. في مساء واحد حقَّق الإبداعُ السعوديُّ إنجازين من العيار الثقيل، فتصدَّرت السعوديَّة قائمة جائزة البوكر للرواية العربيَّة، واعتلت السعوديَّة أمارة الشعر من خلال جائزة أمير الشعراء العرب. ما أروعه من مساء يزهو فيه الوطن فخرًا بأبنائه، وهم يحصدون له الفوز تلو الفوز. ومن حقِّ هذا الوطن أن يفاخرَ بمبدعيه، فقد احتواهم، وهيَّأ لهم من خلال مؤسَّساته وبرامجه وفعاليَّاته البيئة المناسبة لنموِّ وصقلِ مواهبهم، فمحمد علوان روائيٌّ معروفٌ في الوسط الثقافيِّ، ارتقى درجات النجاح بثبات وتصميم، وقد لاقت أعماله السابقة، «سقف الكفاية» 2002، «صوفيا» 2004، «طوق الطهارة» 2007، و«القندس» 2011، أصداءً محليَّة مختلفة، تراوحت بين الإعجاب والتقدير والتشجيع والتحفيز والتدارس؛ ممَّا عزَّز الثقة في نفسه، ورفع سقف طموحاته. ثمَّ تجلَّت بوادرُ فوزه بالجائزة في العام الذي حلَّت روايته «القندس» في القائمة القصيرة ل«البوكر» العام 2013، وتُرجمت إلى الفرنسيَّة، وحازت جائزة معهد العالم العربي في باريس لأفضل رواية مترجمة من العربيَّة إلى الفرنسيَّة العام 2015. وتحمل الرواية الفائزة، «موت صغير»، مقولة فيلسوف الأندلس ابن عربي «الحبُّ موتٌ صغيرٌ»، وهي تسجِّل سيرته داخل حبكة روائيَّة خياليَّة، بأسلوبٍ جميلٍ، وفكرٍ راقٍ،؛ لذا فقد تمَّت تصفيتها من بين 186 رواية عربيَّة، ومُنح مؤلِّفها الجائزة الأدبيَّة التي ترعاها «مؤسَّسةُ جائزةِ بوكر» في لندن، وتدعمها هيئةُ أبوظبي للسياحة والثقافة بالإمارات. أمَّا فوز الشاعر إياد الحكمي بلقب «أمير الشعراء»، في الموسم السابع لأكبر مسابقة تلفزيونيَّة تُعنى بالشعر الفصيح، فقد سبقه فوزه بلقب «شاعر شباب عكاظ « في عام 1433، فكان ذلك التكريم بمثابة تجهيز له كي ينطلق إلى فضاء عربيٍّ أوسع. كذلك فمما زاد من نشوة الفوز الثقافي ذلك المساء، هو أنَّ الشاعرَ السعوديَّ طارق الصملي -أيضًا- قد حلَّ في المركز الثاني للفوز باللقب. نحنُ نفرحُ ونهنئُ أنفسنا بهذين الإنجازين المبهرين، ومع ذلك لا ننسى بأنَّ لنا باعًا في هذا المضمار، فقد حصدت السعوديَّةُ جائزةَ البوكر مرَّتين من قبل، وذلك حين فاز بها عبده خال، وحين فازت بها رجاء عالم، وكذلك فقد جاء فوز الحكمي اليوم بمثابة المحافظة على بقاء اللقب سعوديًّا، بعد أن حصل عليه حيدر العبدالله في الموسم السادس للمسابقة. من الضروري أنْ ندركَ مدى أهميَّة بروزنا كسعوديين في المساحات الثقافيَّة، وأن نتميَّز ونحصد الجوائز، فثقافتنا هي المؤشر الأقوى على تقدُّم فكرنا، ودفع تُهم التخلُّف والتشدُّد والعنف والكبت التي تلاحقنا حيثما نلقي وجوهنا. لا بدَّ أن يبقى الوضعُ الثقافيُّ داخليًّا في حِراك مستمر: فعاليَّات، ونشاطات، وجوائز، ورعاية مستمرة للإبداع، وإرادة قويَّة لاحتوائه وتطويره، ودفعه للأمام والمفاخرة به. يقول محمد حسن علوان: «إنَّ الأحصنةَ التِي لا تركضُ، تموتُ. لا بدَّ من ضجَّةٍ مَا، فالأقدارُ لن تمنحَنا كلَّ مَا نحبُّ دونَ سعي». والسعي لا يكون فقط على المستوى الفرديِّ، بل لا بدَّ من سعي أعلى، يمهِّد مسارات السعي الفرديِّ لتتكامل عناصر النجاح. ويقول إياد الحكمي: «لأنَّ أغنياتِنَا تفيضُ عن ترابِنَا ومائِنَا، سنمنحُ السماءَ سلَّمًا إلى ناياتِنَا». إنَّ روح الشباب المتوقِّدة لا بدَّ أن يقابلها الدعمُ المعنويُّ والماديُّ، والكثيرُ من التوجيه والاحتفاء. يا ترى كم من جماهير الأدب، ومحبي الرواية والشعر من السعوديين خرجوا لاستقبال الفائزَيْن يوم وصولهما إلى أرض الوطن؟ وهل سيقوم مسؤولو الثقافة بتكريمهما بشكل لائق؟!.