مَن منَّا لا يعرفُ المدينةَ، أو يعرفُ قيمتها في نفوس المسلمين؟ ومَن منَّا لا يتمنَّى الموت فيها؟! ففي مسجدها الشريف روضةٌ من رياض الجنة، تفوح في ربوعها أنسامُ الجنَّة، ومن جبلها الشامخ وقفُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلَّم- أثبت أحد، فإنَّ عليك نبيًّا وشاهدين، ومنه نستنشقُ رائحة رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وصاحبيه، وتربتها الطاهرة بطهارة رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- والصحابة -رضي الله عنهم جميعًا-، نتلمس خطواته، فيها تنورت برسول هذه الأمة، إنَّها المدينةُ المباركةُ في مدّها وثماراتها، فضلاً عمَّا يحيط بها من بساتين، ومياه متدفقة في أبيارها المنتشرة. إنَّها الحبيبةُ التي وفَّقت بين الأوس والخزرج، وألَّفت بينهما؛ فضلاً من الله ونعمة منه، إنَّ الإيمانَ ليأرزُ إلى المدينةِ كمَا تأرزُ الحيَّةُ إلى جُحرِهَا، عاشت تحت حكم الخلفاء الراشدين، ثمَّ تابعيهم، وتابعي التابعين، هذه الحكومات العادلة كان معظمهم يعيشون في المدينة، وأنجبت القادة والجيوش الإسلاميَّة الأبطال، إنَّهم أقاموا للمدينة عزَّها وشرفها، وتحكيم كتاب ربهم على الحقيقة دون زيادة أو نقصان. إنَّها المدينةُ بوابةُ الخيرِ والعدلِ والطمأنينةِ، استقبلت الدعوة المحمديَّة، ونشرتها بين القبائل والدول -آنذاك- استحقَّت دعوة الرسول لها بالبركةِ والازدهارِ، فهذه المدينةُ التي وجدَ فيها العثمانيون ضالَّتهم، ووضعوا بصمتهم في عمارة مسجدها بما يناسب المدينة، وزوَّارها، ويخلِّد ذكرها. إنَّها أرضُ السياحة الإسلاميَّة بحصونها، وقلاعها، ومتانة بنيانها، وأسواقها العتيقة. ما أروع المدينة! وما أجمل قصورها! إتقانًا وعمرانًا، لقد امتدَّت لها يدُ الإصلاح في زيِّها السعوديِّ في عهد جميع ملوك المملكة، حيث تمَّ توسيع مسجدها أكبر توسعة عملاقة، وتمَّ توسيع مبانيها وشوارعها؛ حتَّى أصبحت في مصاف المدن المتقدِّمة، وكثرت فيها المتنزهات والسباقات المختلفة التاريخيَّة منها والنبويَّة والأثريَّة، لقد تقدَّمت هذه المدينة، ونالت حقَّها في عهد أميرها فيصل بن سلمان، ولا زالت ترقى من طور إلى طور؛ حتَّى يتحقَّق لها ما تصبو إليه من جمال يتناسب مع حجمها الإسلامي كمدينةٍ سياحيَّةٍ.