لما أراد الله عز وجل إظهار دينه، واعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنجاز وعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العقبة، لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً، يبلغون الستة، وهم : أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث من بني النجار، ورافع بن مالك من بني زريق، وقطبة بن عامر من بني سلمة، وعقبة بن عامر من بني حرام، وجابر بن عبدالله من بني عبيد بن عدي . ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام، قال بعضهم لبعض : تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا تسبقكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه . وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا : إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فعسى أن يجمعهم الله بك، فسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين الى بلادهم ، وقد آمنوا وصدقوا، فلما قدموا المدينة إلى قومهم، ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم،فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يجعل من أهل المدينة لرسوله صلى الله عليه وسلم ظهيراً، ولدينه نصيراً، اختار الله عز وجل أولئك القوم، فكانوا نواة لشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وكان من جرّاء ذلك أن جاء في الموسم التالي موسم الحج سنة 12 من النبوة يوليو سنة 621 م اثنا عشررجلاً، فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد اتصلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في العام السابق، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبايعوه على بيعة النساء - وهي بيعة العقبة الأولى - ولما كان العام الذي تلا البيعة الاولى في السنة الثالثة عشرة من النبوة - يونيو سنة 622ه خرج من أهل يثرب 73 رجلاً وامرأتان قاصدين مكة للحج، وقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم في منى، حتى لا تراهم قريش، وبايعوه بحضور عمه العباس، وأبي بكر، وعلي بن أبي طالب - رضوان الله عليهم أجمعين - وتعرف هذه البيعة ببيعة العقبة الثانية، تعهدوا فيها بالدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأموال والأرواح، وقالوا له : انهم يرحبون بهجرته الى المدينة وانتظاره بها، طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتخاب اثني عشر نقيبا على قومهم، فتم اختيارهم وانتخابهم في الحال، وكانوا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس . لقد ورد في فضل المدينةالمنورة الكثير من الآثار، تدليلاً على علو مكانتها، ورفعة منزلتها، فهي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودار هجرته، وفيها مضجعه، وأهلها جيرانه، والموت بها يستوجب للمؤمنين شفاعته عن اب عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني اشفع لمن يموت بها ". حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم سيدنا ابراهيم مكةالمكرمة، فقال :" إن ابراهيم حرّم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرّم ابراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا ابراهيم لأهل مكة " وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم : " ان الايمان ليأرز الى المدينة كما تأرز الحية الى جحرها " ويكفي في فضلها حب المصطفى صلى الله عليه وسلم لها، ودعاوه ربه ان يحببها اليه كما ورد في الصحيح " اللهم حبب الينا المدينة كما حببت الينا مكة او اشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها وحول حماها الى الجحفة " وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها احد رغبة عنها الا ابدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت احد على لاوائها وجهدها الا كنت له شفيعاً او شهيداً يوم القيامة ". وخلاصة القول ان المدينةالمنورة من احب البقاع الى الله سبحانه وتعالى، وانها دار الايمان اليها يأزر الايمان في اخر الزمان، وعلى مداخلها حراس من الملائكة، لا يدخلها الدجال ولا الطاعون، وهي آخر الدنيا خراباً، وهي مضجع افضل خلق الله صلى الله عليه وسلم، ومهبط وحيه فلايكاد يوجد فيها مكان الا نزلت فيه آية او آيات قرآنية او ورد فيه حديث نبوي شريف، وهي حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ورد الوحي بالوعد الجميل لمن صبر على لاوائهاوشدتها، ومن صلى في مسجدها، ومن اكل من تمرها وشرب من مائها، وجعل تربتها شفاء، والاحاديث الواردة في هذا المعنى كثيرة وطرقها متعددة، ورواياتها مختلفة وكلها واردة في الصحاح والسنن المعتمدة . ومن فضائل المدينةالمنورة كثرة اسمائها، وكثرة الاسماء تدل على شرف المسمى " وكل اسم من اسمائها انمايحمل صفة ايمانية، ومعظم اسمائها صفات لها وصفت بها لتعظيمها واظهار فضائلها ومآثرها ". ولقد ذكر المؤرخون اسماء المدينةالمنورة، وكان اكثرهم عداً : السمهودي الذي اورد اسماً للمدينة مرتبة على حروف المعجم . ويأتي بعده العباسي الذي ذكر " " 59 اسماء للمدينة . كاذكر ياقوت الحموي " " 29 اسما للمدينة ايضا اما ابن زبالة فقد ذكر " " 11 اسماً للمدينة المنورة . ونكتفي هنا بذكر بعض اسماء المدينةالمنورة على سبيل المثال لا الحصر : - المدينة، ويضاف اليها المنورة لانها اضاءت بنور الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم . طابة، طيبة، الدار، الحبيبة، المحبوبة، دار الهجرة، دار الفتح، مأزر الايمان، سيدة البلدان، المحفوظة، الجابرة، المرزوقة، المباركة، وغيرها، وكل هذه الاسماء عرفت بها المدينة بعد هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم اليها . وهناك اسم عرفت به بحكم موقعها الجغرافي بين حرتي واقم والوبرة، فهي ذات الحرار، اوذات الاحرين . وروى ابن زبالة وابن شبة نهيه صلى الله عليه وسلم عن تسمية المدينة " يثرب " وروى احمد وابو ليلى حديثا " من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله، وهي طابة " وفي رواية " فليستغفر الله ثلاثاً " وروى الحاكم في تاريخه حديثاً عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال للمدينة يثرب فكفارته ان يقول : المدينة عشر مرات ".