حظيت مقبرةُ البقيع بما لم تحظ به مقبرةٌ أخرى، فقد أراد اللهُ -عزَّ وجلَّ- بأن تكون مقبرة البقيع لأهل المدينة، وأمر نبيَّه المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالدعاء والاستغفار لأهله، فقد كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخرج ليلاً؛ ليدعو ويستغفر لأهل البقيع، ويسلِّم عليهم، ويحضر مشاهد مَن يتوفَّى من الصحابة -رضي الله عنهم-. يُضاف إلى ذلك شفاعته، وشهادته صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمن يموت في المدينة. كما أنَّ من فضائل هذا البقيع، أنَّ أهله هم أوَّل مَن يُحشر من مقابر الأرض، بعد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصاحبيه ساداتنا أبي بكر وعمر -رضي اللهُ عنهما-، فيحشرون في زمرة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبرفقته. وقد دُفن في هذا البقيع ألوفٌ مؤلفةٌ من الصحابة الكرام، وآل البيت، والتابعين وتابعيهم، والصالحين، والعلماء إلى يومنا هذا. كما ورد أنَّ الألوف المؤلَّفة من أهل البقيع يدخلون الجنَّة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يدخلون الجنَّة بلا حساب. ومن فضائل البقيع أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يشفع لمَن مات بالمدينة. ففي حديث عبدالله بن عمر -رضي اللهُ عنهما- والذي فيه: «مَن استطاعَ أنْ يموتَ بالمدينةِ فليمتْ فيهَا، فإِنِّي أشفعُ لمَن يموتُ بهَا» رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان وصححاه، وابن ماجة، وغيرهم. وفي حديث سبيعة الأسلميَّة -رضي اللهُ عنها- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: «... فإنَّه لا يموتُ بهَا أحدٌ إلاَّ كنتُ لهُ شفيعًا، أوْ شهيدًا يومَ القيامةِ» رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب، وهو حسن. وجاء في حديث المرأة اليتيمة -رضي اللهُ عنها- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «... فإنَّه مَن ماتَ بالمدينةِ كنتُ لهُ شهيدًا، أو شفيعًا يومَ القيامةِ» رواه الطبراني برجال صحيح. وقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يكثر من زيارة أهل البقيع، يسلِّم عليهم، ويستغفر لهم. فعن السيدة عائشة -رضي اللهُ عنها- قالت: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -كلمَّا كانَ ليلتها من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يخرجُ من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: «السلامُ عليكُم دارَ قومٍ مؤمنين، وأتاكُم مَا تُوعدُون، غدًا مؤجَّلون، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكُم لاحقُون، اللهمَّ اغفرْ لأهلِ بقيعِ الغرقدِ. رواه مسلم (كتاب الجنائز). وقول السيِّدة عائشة -رضي الله عنها-: «كلمَّا كانَ ليلتها ... يخرج ...»، دليلٌ على تكرار ذلك واستمراره؛ لأنَّ هذه اللفظة من ألفاظ العموم، فتقتضي التجدُّد والاستمرار. وعن عبدالله بن عباس -رضي اللهُ عنهما- قال: مرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقبورِ أهلِ المدينة، فأقبلَ عليهم بوجههِ فقال: (السلامُ عليكُم يَا أهلَ القبورِ، ويغفرُ اللهُ لنَا ولكُم، أنتمْ لنَا سلفٌ، ونحنُ بالأثرِ) رواه الترمذي وحسَّنه (كتاب الجنائز). وعن أبي هريرة -رضي اللهُ عنه- أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرج إلى المقبرة، فقال: (السلامُ عليكُم دارَ قومٍ مؤمنِين، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكُم لاحقُون. وددتُ أنِّي قدْ رأيتُ إِخوانَنَا...) الحديث، رواه الإمام مالك، والإمام أحمد في مسنده، وصحيح الإمام مسلم (كتاب الطهارة). وعن عبدالله بن أبي مليكة -رحمه الله- أنَّ السيِّدة عائشة -رضي اللهُ عنها- أقبلت ذات يومٍ من المقابرِ، فقلتُ لها: يَا أمَّ المؤمنين مِن أينَ أقبلتِ؟ قالت: مِن قبرِ أَخِي عبدالرحمن بن أبي بكر -رضي اللهُ عنهما- فقلتُ لها: أليسَ كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، نهَى عن زيارةِ القبورِ؟ قالتْ: نعمْ، كانَ نهَى، ثمَّ أمرَ بزيارتِهَا. رواه الحاكم، وصححه الذهبي. ورواه ابن ماجة في سننه، والبزار مختصرًا. أمرُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في زيارة البقيع: ومِن فضائل البقيع، أنَّ اللهَ تعالى أمرَ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يأتيَه، ويستغفرَ لأهلهِ، فكانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأتي هذا البقيع المبارك باستمرار، ويسلِّم على أهلهِ، ويدعو لهم. فعن عائشة -رضي اللهُ عنها- قالت: ألا أحدِّثكُم عنِّي وعن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قلنا: بلى. قالت: لمَّا كانتْ ليلتي التي كانَ النبيُّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم فيها عندي، انقلبَ، فوضعَ رداءَهُ، وخلعَ نعليهِ، فوضعهمَا عندَ رجليهِ، وبسطَ طرفَ إزارِهِ علَى فراشهِ، فاضطجعَ، فلمْ يلبثْ إلاَّ ريثمَا ظنَّ أنْ قدْ رقدتْ، فأخذَ رداءَهُ رويدًا، وانتعلَ رويدًا، وفتحَ البابَ فخرجَ، ثمَّ أجافهُ رويدًا، فجعلتُ درعي في رأسِي، واختمرتُ، وتقنَّعتُ إزاري. ثمَّ انطلقتُ على إثره حتَّى جاءَ البقيعَ فقام، فأطالَ القيامَ، ثمَّ رفعَ يديه ثلاث مرَّات، ثمَّ انحرفَ فانحرفتُ، فأسرعَ فأسرعتُ، فهرولَ فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ. فسبقته فدخلت. فليس إلاَّ أنْ اضطجعت فدخل. فقال: (مالك؟ يا عائش؟! حشيا رابية!) قالتْ: قلتُ: لا شيءَ. قال: (لتخبريني، أو ليخبرني اللطيفُ الخبيرُ). قالتْ: قلتُ: يا رسولَ الله! بأبي أنتَ وأمِّي! فأخبرته. قال: (فأنتِ السوادُ الذِي رأيتُ أمامِي؟! قلتُ: نعمْ. فلهدني في صدري لهدةً أوجعتني، ثمَّ قال: (أظننتِ أنْ يحييف اللهُ عليكِ ورسوله؟). قالتْ: مهمَا يكتم النَّاس يعلمُهُ اللهُ. قال: نعمْ. قال: (فإنَّ جبريل أتاني حين رأيت، فناداني، فأخفاه منك، فأجبته، فأخيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت، فكرهتُ أن أوقظك، وخشيتُ أن تستوحشي. فقال: إنَّ ربَّكَ يأمرُكَ أنْ تأتِي أهلَ البقيعِ فتستغفرَ لهُم). قالتْ: قلتُ: كيفَ أقولُ لهم؟ يا رسولَ الله! قال: (قولِي: السلامُ على أهلِ الديارِ من المؤمنين والمسلمين، ويرحمُ اللهُ المستقدمين منَّا والمستأخرِين، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكم للاحقون). رواه مسلم (كتاب الجنائز). وعن السيِّدة عائشة -رضي اللهُ عنها- قالت: قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذات ليلة، فلبس ثيابه، ثم خرج، قال: فأمرتُ جاريتي بريرة تتبعه، فتبعته حتَّى جاء البقيع. فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف، ثمَّ انصرف، فسبقته بريرة، فأخبرتني. فلم أذكر له شيئًا حتَّى أصبح، ثمَّ ذكرتُ ذلك له. فقال: (إنِّي بُعثتُ إلى أهلِ البقيعِ لأصلِّي عليهم) رواه مالك (كتاب الجنائز)، والنسائي في سننه (كتاب الجنائز)، وابن شبة (تاريخ المدينة 1/89، 90) وأحمد، وصححه ابن حبان، والحاكم (صحيح ابن حبان) وأقرَّه الذهبيُّ. وعنها -رضي اللهُ عنها- قالت: فقدته «تعني: النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، فإذا هو بالبقيع، فقال: (السلامُ عليكُم دارَ قومٍ مؤمنين، أنتمْ لنَا فرطٌ وإنَّا بكُم لاحقُون، اللهمَّ لا تحرمنَا أجرَهم، ولا تفتنَا بعدَهم). رواه أبو داود، وابن ماجة، وابن شبة، وأحمد. وعن أبي مويهبة «مولى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، قال: أُمرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يصلِّي علَى أهلِ البقيع، فصلَّى عليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ليلة ثلاث مرَّات، فلمَّا كانت ليلة الثانية، قال: (يا أبا مويهبة، أسرج لي دابتي)، قال: فركب، ومشيتُ حتَّى انتهى إليهم، فنزل عن دابته، وأمسكت الدابة، ووقف عليهم، أو قال: قام عليهم، فقال: (ليهنكُم مَا أنتمْ فيه ممَّا فيه النَّاسُ، أتت الفتنُ كقطعِ الليلِ يركبُ بعضُها بعضًا، الآخرةُ أشدُّ من الأولى، فلينهكُم مَا أنتمْ فيه)، ثم رجع فقال: (يا أبا مويهبة، إني أعطيت أو قال: خُيِّرت مفاتح ما يفتح على أمَّتي من بعدي والجنَّة، أو لقاء ربي)، فقلتُ: بأبي وأمي يا رسولَ الله، فأخبرني، قال: (لأن ترد على عقبها ما شاء الله، فاخترت لقاء ربي عزَّ وجلَّ) فضائل المدينةالمنورة - د.خليل ملا خاطر (3/73). أهل البقيع أول المقابر حشرًا: ومن فضائل أهل البقيع أنَّهم يكونون أوَّل أهل المقابر حشرًا، وذلك إذا نفخ سيدنا إسرافيل -عليه السلام- في الصور، يكون النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أول الناس بعثًا، ثمَّ سيدنا أبو بكر، ثمَّ سيدنا عمر -رضي الله عنهما-، ثم يأتي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهلَ البقيع فيحشرون، ثمَّ ينتظر أهل مكة فيُحشر بين أهل الحرمين، فيكونون في زمرته (فضائل الصحابة - 1: 150، 231، 351). وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أنا أوَّل مَن تنشقُّ عنهُ الأرضُ، ثمَّ أبو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ آتي أهلَ البقيعِ، فيُحشرُون معي، ثمَّ أنتظرُ أهلَ مكَّة، فأُحشر بينَ الحرمين) رواه أحمد، والترمذي في سننه - كتاب المناقب. يبعث من أهل البقيع سبعون ألفًا يدخلون الجنَّة بلا حساب: ومن فضائل البقيع أيضًا أنَّ اللهَ -سبحانه وتعالى- سيبعثُ منه يوم القيامة سبعين ألفًا، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب. فعن أم قيس بنت محصن -رضي اللهُ عنها- أنَّالنبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم قال: (أترين هذه المقبرة -لبقيع الغرقد؟ يُبعثُ منها سبعون ألفًا يومَ القيامةِ على صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنَّة بغير حساب»، فقام عكاشة بن محصن فقال: وأنا يا رسول الله؟ قال: «وأنت»، فقام آخر فقال: وأنا يا رسول الله؟ فقال: (سبقك بها عكاشة). رواه الطيالسي، وابن شبة. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: (يدخلُ الجنَّةَ مِن أمَّتي زمرةٌ هم سبعون ألفًا، تضيءُ وجوهُهم إضاءةَ القمرِ ليلةَ البدرِ). قال أبو هريرة -رضي اللهُ عنه-: فقام عكاشة بن محصن الأسدي، يرفع نمرة عليه، فقال: يا رسولَ الله، ادعُ اللهَ أنْ يجعلني منهم؟ فقال: (اللهمَّ اجعله منهم)، ثمَّ قامَ رجلٌ من الأنصار، فقال: يا رسول الله، ادعُ اللهَ أنْ يجعلني منهم؟ فقال (سبقك بها عكاشة). متَّفق عليه (البخاري: كتاب الرقاق. وصحيح مسلم: كتاب الإيمان). وعن ابن عباس -رضي اللهُ عنهما- قال: قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (عُرضت عليَّ الأممُ، فأخذَ النبيُّ يمرُّ معه الأمَّة، والنبيُّ يمرُّ معه النفر، والنبيُّ يمرُّ معه العشرة، والنبيُّ يمرُّ معه الخمسة، والنبيُّ يمرُّ وحده، فنظرتُ فإذا سوادٌ كثيرٌ قلتُ: يا جبريل: هؤلاء أمَّتي، قال: لا، ولكنْ انظر إلى الأفق، فنظرتُ: فإذا سوادٌ كثيرٌ -وعند مسلم: فإذا سواد عظيم- فقيل لي: انظرْ إلى الأفقِ الآخر، فإذا سوادٌ عظيمٌ، فقيل لي: هذه أمتك، وهؤلاء سبعون ألفًا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب...) الحديث متَّفق عليه في الكتاب، والبابين السابقين. وعن أبي هريرة -رضي اللهُ عنه- عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: (سألتُ ربي عزَّ وجلَّ، فوعدني أن يدخلَ الجنَّةَ من أمَّتي سبعين ألفًا على صورة القمرِ ليلة البدر، فاستزدتُ ربِّي، فزادني مع كلِّ ألفٍ سبعين ألفًا، فقلتُ: أي رب، أرأيت إنْ لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي، قال: إذًا أكملهم من الأعراب). رواه أحمد برجال الصحيح (مسند أحمد). مشروعيَّة زيارة البقيع تأتي مشروعيَّة زيارة هذا البقيع المبارك من مشروعيَّة زيارة القبور، ويحظى بما لم تحظ به مقبرة أخرى، فقد أراد اللهُ -عزَّ وجلَّ- بأن تكون مقبرة لأهل المدينة التي تذكِّر الإنسان بالآخرة، وترق القلب، وتدمع العين، كما قال عليه الصلاة والسلام (ألا إني كنتُ نهيتكُم عن زيارةِ ثلاثةٍ ثمَّ بدَا لِي فيهنَّ... نهيتكُم عن زيارةِ القبورِ ثمَّ بدَا لي أنَّها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكِّر الآخرة، فزوروها ولا تقولوا هجرًا) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والنسائي في سننه، والإمام مالك في الموطأ. وقد تميَّز بقيعُ المدينة عن المقابر الأخرى بأنَّ زيارته تأتي اقتداءً برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقد كان يزوره كثيرًا ليلاً ونهارًا، ويدعو ويستغفر لأهله، ولعل في حديث أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي اللهُ عنها- السابق ذكر ما يوضح ذلك.. وفيه قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (إنَّ ربَّكَ يأمرُك أنْ تأتِي أهلَ البقيعِ فتستغفرَ لهُم) قالت: كيفَ أقولُ لهم يا رسولَ الله، قال: (قولي السلامُ عليكم أهلَ الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إنْ شاء الله بكم لاحقون). رواه مسلم في صحيحه: كتاب الجنائز، والنسائي والترمذي في سننهما. وقد أجمع المسلمون على أنه يُسنّ لزائر المدينة أن يأتي بقيع الغرقد ويسلِّم على أهله كما علَّمنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حيث قال: (أُمرتُ أنْ أدعوَ لهُم) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - 57/11. ووردت أحاديثُ عدَّة تبيِّن فضلَ الموت في المدينة، والدفن في البقيع، وأبرز الفضائل التي يتمتَّع بها مَن دُفن بالبقيع ما يلي: 1- الظفر بشفاعة رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له يوم القيامة، كما روى عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَن استطاعَ أنْ يموتَ في المدينةِ فليمتْ، فإني أشفعُ لمَن يموت بهَا) أخرجه الترمذي في سننه، وأحمد في مسنده. 2- الظفر بدعاء الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستغفاره وصلاته عليه، كما روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- قالت: كلَّما كان ليلتها من رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: «السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وأتاكم مَا تُوعدُون، غدًا مؤجَّلون، وإنَّا إنْ شاءَ اللهُ بكم لاحقُون، اللهمَّ اغفر لأهلِ بقيعِ الغرقدِ». أخرجه مسلم: كتاب الجنائز، والنسائي في سننه. 3- يُبعث آمنًا يومَ القيامة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (مَن ماتَ بأحدِ الحرمين بُعثَ آمنًا يومَ القيامةِ) أخرجه البهقي في سننه، والطبراني في المعجم الصغير. * قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم: (اللهمَّ اغفرْ لأهلِ بقيعِ الغرقدِ). * أمرَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- نبيَّه بأن يستغفرَ لأهلِ البقيعِ. * قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأمِّ قيسٍ بنت محصن: (أترينَ هذه المقبرةَ لبقيع الغرقد؟ يبعث الله منها سبعين ألفًا يوم القيامة على صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنة بغير حساب). * وفي حديث الحشر: أول مَن يُبعث هو النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ أبو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ يأتي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهلَ البقيع فيُحشرون. * قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندما زار البقيع، وسلَّم على أهله، قال: (وددتُ أنَّي قدْ رأيتُ إخوانَنَا). * قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إنِّي بُعثتُ لأهلِ البقيعِ لأصلِّي عليهم). إذًا فالسؤال: مَن هُم أهل البقيع الذين يستغفر لهم رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويصلِّي عليهم، ويُحشرون مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويخرج من بينهم سبعون ألفًا وجوهُهم كالقمرِ ليلة البدر؟ الجواب: هم أهلُ البقيع، أي إخواننا الذين سبقونا بالدفن في البقيع، منذ عهد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإلى أن تقوم الساعة. إذًا هناك فضلٌ عظيمٌ لمَن يُدفن في البقيع؛ لينال دعوات النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمغفرة والرحمة لأهل البقيع. وبهذا تكون مقبرةُ البقيع أفضلَ وأعظمَ مقبرةٍ، ولا يماثلُها مقبرةٌ أخرى في الدنيا. اللهمَّ اجعلنا ممَّن يموتُونَ في المدينة، ويُدفنونَ في البقيع. خادم آثار ومعالم المدينةالمنورة الخلاصة