أشاد مثقفون بما يقدمه مهرجان الجنادرية في كل دورة من دوراته سنويًا، واصفين المهرجان بأنه من التظاهرات الثقافية المهمة على المستويين المحلي والعربي، ومشيرين إلى أن فعالياته متنوّعة وتشتمل على العديد من البرامج الثقافية والأدبية والعروض المسرحية، بالإضافة إلى تكريم روّاد وشخصيات ثقافية واجتماعية، مطالبين -في تصريحات ل»المدينة»- بالتركيز على الفعاليات والأنشطة التي تهم الثقافة والتراث، بحكم الاختصاص، مؤكدين أن الشخصيات المكرّمة هذا العام تستحق التكريم نظير جهودهم وما بذلوه في مجالاتهم. العساف: حان الوقت لاستثمار المهرجان عالمياً كقوة ناعمة عبر مختلف الوسائل الإعلامية يقول الدكتور عبدالله العساف رئيس قسم الإعلام المتخصّص بجامعة الإمام: يعد المهرجان الوطني للتراث والثقافة حدثًا موسميًا يترقبه المثقفون والمهتمون بالشأن العربي والإسلامي، فبالإضافة لكونه مناسبة وطنية تؤكد على هويتنا العربية الإسلامية وتؤصل موروثنا الوطني بشتى جوانبه وتعريف الأجيال الجديدة به، فضلًا عن الشعوب الأخرى، إلا أنه يهتم ويبرز القضايا العربية والإسلامية، وهذا يتضح من خلال القراءة الواعية للبرنامج الثقافي للمهرجان طيلة السنوات الماضية، وكذلك الأسماء التي تمت استضافتها من جميع أنحاء العالم، وفي هذا العام سيناقش البرنامج الثقافي في «الجنادرية31» موضوعات مهمة جدًا إقليميًا وعربيًا من خلال عدد من الندوات المتزامنة مع المتغيرات الدولية والإقليمية، يشارك فيها خبراء ومتخصّصون من مختلف دول العالم، تتعلق بالشأن الثقافي والسياسي والاقتصادي ومنها رؤية المملكة 2030، والعلاقات العربية الأمريكية، ومهددات النظام الإقليمي العربي، والإيديولوجيا في المشهد السياسي للعالم العربي، والرواية العربية المعاصرة والإيدولوجيا وغيرها، وهذه الندوات تعكس ثراء معرفيا ونوعيا من خلال الأسماء المشاركة والموضوعات المطروحة للنقاش وهو ما يضفي عليها صفة العالمية، كما إنها فرصة لتسليط الأضواء على إنجازات المواطن السعودي الذي خدم بلده في جميع المجالات، وهذا يتبيّن لنا من خلال الأسماء المكرّمة: د. أحمد محمد علي ود. عبدالرحمن الشبيلي والأستاذة صفية بنت سعيد بن زقر ومنحهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وذلك اعترافا من الوطن وتقديرا لكل مخلص في حياته يرى ثمرة عمله ويفخر بها. ويضيف الدكتور العساف: أظن أن الوقت قد حان لاستثمار المهرجان عالميًا كقوة ناعمة من خلال إتاحة الفرصة لمختلف القنوات والوسائل والوكالات الإعلامية العالمية بالحضور والنقل المباشر والإطلاع على صورة أخرى من صور المجتمع السعودي يجهلها العالم ونحن بحاجة لإبرازها، وخصوصًا في هذا التوقيت، كما أتمنى أن في كل عام من كل جامعة من جامعاتنا أن تقدم مشروعًا وطنيًا يتم طرحه في مهرجان الجنادرية، وألا تكون الجامعات بمعزل عن هذه التظاهرة المجتمعية، كما أتمنى أن تكرّم الجنادرية عددًا من روّاد الأدب والثقافة والإعلام في العالم العربي، وأن تطبع المحاضرات والندوات في كتاب كامل عن المهرجان بطباعة متميزة بمناسبة مرور ثلاثة عقود عليه. الرشيدي: نأمل من المهرجان التوسع في دعوات المثقفين والأدباء فهناك تكرار لبعض الأسماء ويقول الناقد حمد الرشيدي: في كل عام وفِي مثل هذه الأيام نترقب بشغف واهتمام إطلالة «مهرجان الجنادرية» للثقافة والتراث، فهو مهرجان وطني دولي تشارك فيه جميع الجهات ومن كل الأطراف، الحكومية والأهلية، وغيرها من الأطراف الأخرى ذات العلاقة، سواء من داخل المملكة أو من خارجها. ولا شك إن هذا المهرجان الذي واصل مسيرته خلال الثلاثين سنة الماضية قد جمع على أرضه مختلف الثقافات لمجموعة من الشعوب ذات الثقافات والتراث والعادات والتقاليد المختلفة وعلى كل الأصعدة: محليا وعربيا ودوليا، وهذا مما نقل ثقافة الشعب السعودي وتراثه وموروثة الثقافي والتاريخي والحضاري لجميع شعوب العالم المشاركة في حضور المهرجان وفعالياته، وكذلك نقل ثقافات الشعوب الأخرى لنا -نحن كسعوديين- وهذا كله مما ينتج عنه ما يعرف ب»التلاقح الفكري والثقافي بين الشعوب». ولكن بالمناسبة أريد أن أقول - بصراحة - أنه بودنا من إدارة المهرجان والجهات المشرفة عليه أن تتوسع في دعواتها لأكبر عدد من المثقفين والكتاب والأدباء لحضور المهرجان والمشاركة في فعالياته، لأنه من الملاحظ تكرار بعض الأسماء المدعوة بشكل كبير ولافت للنظر، إذ إن هناك شعراء وأدباء وكتّاب وإعلاميين ومثقفين كثر، يتكرّر ظهورهم في الجنادرية كل عام، بينما هناك كتّاب كبار ومثقفون وشعراء وأدباء بارزون ومعروفون لَم تتم دعوة أحد منهم سواء من السعوديين أو من غيرهم من الإخوة العرب!.. وأما بالنسبة للشخصيات المكرّمة في هذا العام فهي شخصيات سعودية كبيرة وبارزة في مجالها وفعلا تستحق التكريم منا جميعا مثل الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي سابقًا والدكتور عبدالرحمن الشبيلي الصحفي والإعلامي المعروف، الذي يعتبر أول سعودي يحصل على الدكتوراه في مجال الإعلام والفنانة التشكيلية الكبيرة صفية بن زقر، التي قطعت مشوارا فنيا طويلا في الفن التشكيلي واستلهمت التراث السعودي في كثير من أعمالها والمعارض التي شاركت فيها داخليا وخارجيا. الفيفي: هناك جهة مقصرة هي جهاز الثقافة والإعلام يؤكد عضو مجلس الشورى السابق الأستاذ بجامعة الملك سعود الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيْفي، أن مَن يُراجع تاريخ المهرجان سيلحظ أنه بدأ بتوحيد المكان الذي تقام عليه نشاطاته؛ ليجسّد بهذا وحدويّة المهرجان، بفعاليّاته الوطنيّة، والتراثيّة، والثقافيّة. حتى نَجَمَ اتجاهٌ إلى فصل «التراث» عن «الثقافة»، وعندها تَمَّ عَزْلٌ جغرافيٌّ بين مكوّنات الشِّعار العامّ للمهرجان؛ إذ أضحى التراث- بمفهومه الشعبويّ- يُقام في الجنادريّة، وأمست الثقافة - بمفهومها الرسميّ- تُقام في أماكن أخرى، ومن ثَمّ غاب التفاعل الجماهيريّ، وتشتّتت الجهود، وعناصر النسيج الجميل، بين: الموروث الشعبيّ، والموروث العامّ، وبين التراث والثقافة، وبين العاميّ والفصيح. كما أن الندوات الثقافيّة المصاحبة كانت تتركّز في البدايات حول موضوعات حيويّة في اتصالها بوظيفة المهرجان لربط أجيال الوطن بتراثها وتعزيز هويتها الوطنيّة. وذلك من قبيل «الموروث الشعبيّ في التراث العربي»؛ «علاقة الموروث بمخيّلة المبدع»؛ «علاقة التراث بالإبداع الفنيّ والفكريّ»؛ «الموروث في الفنون الاحتفاليّة»؛ «أَثَرُ الموروث في السُّلوك وأنماط التفكير»، ونحو هذه من القضايا الجوهريّة في اهتمامات المهرجان. إلَّا أنها تعدّدت بعد ذلك الموضوعات، وتشعّبت الاهتمامات، لتُخرج المهرجان، أحيانًا، عن إطاره الأصيل، إلى قضايا مكانها الطبيعي ندوات جامعيّة خاصّة، أو مؤتمرات دوليّة مستقلّة؛ إذ لا يُعقل أن يغدو المهرجان الوطني للتراث والثقافة ميدانًا لكلّ ما يخطر على البال طوال العام من القضايا الواسعة للأُمّة العربيّة والإسلاميّة والعالم، بل كان المفترض بقاء التركيز على قضايا التراث والثقافة، وهناك قائمة من المحاور التي كان يُعَوَّل على المهرجان في المضيّ في طرحها، كقضايا اللغة: بين الفصحى والعامّيّة واللغات الوافدة والأجنبيّة، وقضايا التعليم، والتربية، والشباب، والإعلام، والمرأة، والتنمية، والفنون، والآداب، من شِعر، ومسرح، وسينما، ودراما، وموسيقى، وفنون تشكيليّة، وفنون إسلاميّة، وعمارة، وتاريخ، وآثار، وأزياء، وحِرَف، وصناعات، ونحوها من الشؤون المغروسة في ثرَى التراث والثقافة الأصيلة والمعاصرة. لذا، أرى أن المهرجان كان قد بدأ بداية صحيحة، إلاّ أنها تخطّفته الأمكنة والموضوعات المتفرّقة، فلقد أضحى المهرجانُ سوقًا ثقافيّة عربيّة عالميّة، وآن له أن يطمح، بعد الانتشار والصيت، إلى عهدٍ من النضج والعمق، وينبغي- في رأيي- أن لا يظل مهرجان الجنادرية يدور في حلقة ما يُسمى (التراث الشعبي) أو (الثقافة الشفويّة)، مختزِلًا مفهومَي «التراث» و»الثقافة» في ذلك. ولقد آن كذلك أن يتحدّد مفهومنا للتراث: فهل «التراث» شاعر عامّي، وربابة، وبضعة جِمال، وطائفةٌ من ممارسي الحِرَف؟ أم أنه يضرب بجذوره في تراث الجزيرة العربيّة، ولغتها، إلى الأعمق، والأشمل، الذي لا يمثّل تراثَ الجزيرة وحدها، بل تراث الأمّة العربيّة والإسلاميّة جمعاء، بما أن تراث المملكة هو نبع التراث العربي والإسلامي. لقد آنت ساعةُ المراجعة والتجديد؛ بحيث يسعَى المهرجان - بعد امتداد الوحدة الوطنيّة في المكان- إلى مدّ الوحدة الوطنيّة في الزمان أيضًا. ويضيف الدكتور الفيفي: من المقترحات لتطوير الجنادرية فتح المشاركة أكثر للمؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني الجديدة، والهيئات الثقافية والأندية الأدبية وغيرها من المؤسسات، فهو مهرجان وطنيّ، وللتراث، والثقافة، ولكن شريطة أن تكون لتلك الجهات المشارِكة علاقةٌ بالتراث والثقافة، وفق مفهومهما العلميّ المنضبط، لا مفهومهما العامّ الذي يمكن أن يَستدرج فيه كلّ شيء، وذلك لكيلا يقع المهرجان في الشتات الذي يبدو- في رأيي- أنه انزلق إليه، في السنوات الأخيرة. على أن هناك جهة أرى أنها مقصّرة جدًّا في حضورها الجدّيّ، مع أنها أولَى الجهات مسؤوليّة عن الوجود الفاعل والمتمّم لأعمال المهرجان، وأعني جهاز الثقافة والإعلام، بعموم مؤسّساته، فبالرغم من ذلك المدّ الأفقيّ والرأسيّ في اهتمامات المهرجان، فإننا لا نرى الإعلامَ يواكبه بتغطيةٍ كافية، أو شِبْه كافية! لستُ أتحدث هنا عن سباق الهِجْن، أو حفل الافتتاح، وما يصاحبهما من بثٍّ مباشر عبر الأقمار الصناعيّة، وإنما أعني التغطية الشاملة لأيّام المهرجان وفعاليّاته. الأحمدي: الحاجة إلى المسرح ليسطر شيئا من مشاهد البطولات المشرقة بجانب الشعر والموسيقى وتضيف الأكاديمية والناقدة أسماء الأحمدي قائلة: حين نتحدث عن الجنادرية يعني أننا أمام تاريخ.. تراث وثقافة.. فكر وحضارة شامخة كالجبال وأصيلة كالصحراء ومعتقة بطيب شيوخها وقادتها، هنا تطالعنا الجنادرية كمشهد كرنفالي يعيد الذاكرة، ويستحضر الخطى، ويؤصل القيم، قد تكون هذه الذكرى مختلفة لأننا على أعتاب مرحلة جديدة شاهدة على انتقاله أكثر جرأة وثبات، تحيكها رؤى قادرة على التغيير، وإيجاد هوية واضحة المعالم بعيدًا عن السلب والإقصاء تجمع الفنون في بوتقة واحدة كمنارة تحلق في سماء التميز والإبداع.. الفكر والإنسانية.. محدثة الأجيال عما سطره رجال التاريخ من بطولات سجلت في الماضي.. هنا تظهر الحاجة إلى المسرح ليسطر شيئا من مشاهد البطولات المشرقة بجانب الشعر والموسيقى والأشغال اليدوية، وكما هي الجنادرية تاريخ وحضارة يتوجب أن تتحول إلى مركز ثقافي يستقطب الشباب ما بين تأهيل وإعداد ودراسة ومراكز أبحاث؛ لتتحول من كونها ذاكرة تستحضر -كمناسبة- إلى ذاكرة تحيي الهمم وتدرس القيم.