على الرّغمِ من الولاء البريطانيّ للحركة الصّهيونيَّةِ، والذي يمتزج فيه السِّياسي بالدِّيني؛ إلاَّ أنَّ الإرهاب الصّهيونيّ طال المصالح البريطانيَّة. وتمدّنا أدبيَّات السِّياسة البريطانيَّة بشيء من ضروب ذلك الإرهاب، وبأشكاله المتعدِّدة. فقبل قيام الكيان الصّهيونيّ فوق أرض فلسطين العربيَّة المسلمة، وفي عام 1946م، وتحديدًا في يوم 22 يوليو؛ قامت الجماعة الإرهابيَّة الصّهيونيّة، والتي تحمل اسم «أرغون Irgun»، بتفجير فندق الملك داوود في القدس، والذي كانت تقوم فيه القيادة العسكريَّة البريطانيَّة، على خلفيَّة الانتداب البريطاني للأراضي الفلسطينيَّة، وقتل في ذلك التفجير ما يقرب من مئة شخص، بينهم عدد من المسؤولين الإنجليز، وكذلك عرب ويهود طالتهم يد الإرهاب الصّهيونيّ. وكانت الحركات الصّهيونيَّة المتطرِّفة تتعمَّد ضرب المصالح البريطانيَّة حتَّى ترغمها على الانسحاب من فلسطين؛ وبالتالي تقوم تلك الأذرع الصّهيونيَّة الإرهابيَّة بتثبيت أقدامها فوق الأراضي الفلسطينيَّة. وتمشيًا مع هذه السِّياسة قامت حركة «الهاغاناة Haganah» الإرهابيَّة عام 1944م بقتل اللّورد «موين LordMoyne »، الوزير البريطاني المسؤول -آنذاك- عن شؤون الشّرق الأوسط، وكان وزيرًا معتبرًا في حكومة الحرب المُشكَّلة أثناء الحرب العالميَّة الثّانية. ويذكر السِّياسي البريطاني الرَّاحل «كرستوفر مايهو Mayhew» أنَّه أثناء عمله مساعدًا لوزير الخارجيَّة العمَّالي «بيفن Bevin» عام 1948م، استلم طردًا مُفخّخًا بغرض قتله، وكان موقَّعًا بختم حركة «حيروت Hurut» الصّهيونيَّة الإرهابيَّة. وعندما قامت الحكومة البريطانيَّة بقتل ثلاثة إرهابيين إسرائيليين، ثمَّ القيام بصلبهم عام 1947م، كان من ردِّ الحركة الصّهيونيَّة بأعمال شغب في عدد من المدن البريطانيَّة؛ مثل: كاردف، وجلاسكو Glasgow، ولم تسلم لندن من تلك الأعمال التخريبيَّة. وقبل سنواتٍ قليلة قام الموساد الإسرائيلي باغتيال ناشط فلسطيني في بلد عربي، وكان القتلة يحملون جوازات سفر بريطانيَّة مزوَّرة، ولم تقدِّم إسرائيل اعتذارًا كافيًا لما قامت به من تزوير متعمَّد لهويَّات القتلة البريطانيين. وقبل مدَّة قصيرة تمَّ تسريب مقطع فيديو يتوعَّد فيه أعضاء السَّفارة البريطانيَّة في لندن بالتخلُّص من وزير الدَّولة البريطانيَّة للشؤون الدَّوليَّة، وبدلاً من أن تشجب رئيسة الوزراء البريطانيَّة تيريزا ماي TheresaMay هذا التّهديد الواضح لشخصيَّة سياسيَّة معتبرة؛ امتدحت دولة إسرائيل، مقدِّمةً لها شهادة حسن سيرة وسلوك مجانيَّة، ذاكرة بأنَّ إسرائيل دولة ديمقراطيَّة ومزدهرة، ونموذج للاعتدال، ومثال أعلى يحتذى في العالم. (انظر: جريدة الحياة، 12 يناير 2017م).. ويتساءل المرء: لماذا كلُّ هذا الولاء لهذا الكيان الإرهابيّ. وعلى الرّغم من أن بريطانيا تعتبر مسؤولة عن قيام الكيان الصّهيونيّ، إلاَّ أنَّها وبدلاً من أن تقدِّم اعتذارًا عن «وعد بلفور» المشؤوم، تعمَّدت وبأسلوب استفزازي القول بأنَّها سوف تحتفل بالذِّكرى المئويَّة لصدور هذا القرار والوعد المجحف، مذكِّرةً بسلوكها هذا رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر. وذلك يطرح أسئلة عديدة إزاء موقف حزب المحافظين بزعامة «ماي» من القضيَّة الفلسطينيَّة، ممَّا يستوجب ردًّا عربيًّا وفلسطينيًّا ملائمًا في حقبةٍ تشهد انعطافات سياسيَّة خطيرة ومخيفة.