ورد في معاجم اللُّغة: السِّرُّ هو ما أَخْفَيْتَ، والسَّريرةُ: كالسِّرِّ، والجمع السَّرائر، وأسرَّ الشَّيءَ: كَتَمَه وأظهره فهو من الأضداد. قال الرَّاغب الأصفهاني: «الإسْرَارُ خلافُ الإعلان، ويستعمل في الأعيان والمعاني». قال الجاحظ: «كتمان السِّرِّ خُلقٌ مركَّب من الوقار، وأداء الأمانة، فإنَّ إخراجَ السِّرِّ من فضول الكلام، وليس بوقور مَنْ تكلَّم بالفضول، وأيضًا فإنَّ مَن استودع مالاً فأخرجه إلى غير مودعه، فقد خفر الأمانة، كذلك من استودع سرًّا فأخرجه إلى غير صاحبه، فقد خفر الأمانة، وكتمانُ السِّرِّ محمود من جميع النَّاس». ومن المقولات التي تحضُّ على هذا الشَّأن، ما أُثر عن عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله- أنَّه قال: «القلوب أوعية، والشِّفاه أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فليحفظ كلُّ إنسانٍ مفتاح سرِّه». وقيل لعدي بن حاتمٍ -رحمه الله- أيُّ شيءٍ أَوْضَعُ للرِّجال؟ فقال: «كثرة الكلام، وإضاعة السِّرِّ، والثِّقة بكل أحد». وقال أنو شروان: «من حصَّن سرَّه فله بتحصينه خصلتان: الظَّفر بحاجته، والسَّلامة من السَّطوات، وإظهار الرَّجل سرَّ غيره أقبح من إظهار سرِّ نفسه، لأنَّه يبوء بإحدى وصمتين: إمَّا بالخيانة إن كان مؤتمنًا، أو النَّميمة متبرِّعًا». وروى الطَّبريُّ في تاريخه أنَّ عمر بن الضَّبيعة الرَّقاشي خرج مع ابن الأشعث، فَقُتِل فيمن قُتل، وأُتي الحجَّاج الثَّقفي برأسه، فوُضِع بين يديه، فقال الحجَّاج: «رُبَّ سرٍّ قد وضَعْتُ في هذا الرأس، فلم يخرج منه حتَّى وُضِعَ بين يديَّ». وفي كتاب «لباب الآداب» للأمير الشَّاعر أسامة بن منقذ الكناني (ت 584ه) مقولات بليغة، وحكم بديعة في هذه الصِّفة التي تنمُّ عن كريم الأخلاق، وحسن التَّعامل والمعاشرة، ومن ذلك قول أحد البلغاء: «ما لم تُغيِّبه الأضالع، فهو مكشوف ضائع»، وقول الآخر: «ما أَسرَّك، ما كَتَمْتَ سِرَّك». ورُويَ أنَّ عبدالله بن طاهر تذاكرَ النَّاسُ في مجلسه حفظَ السِّرِّ، فقال: وَمَا السِّرُّ في صَدْرِي كَمَيْتٍ بِقَبْرِهِ لأَنِّي رَأَيْتُ المَيْتَ يَنْتَظِرُ النَّشْرَا وَلكِنَّني أُخفيهِ حَتَّى كَأنَّني بِمَا كانَ مِنْهُ لَمْ أُحِطْ سَاعَةً خُبْرَا وقال آخر: ولوْ قدرتُ علَى نسيانِ مَا اشتملتْ منِّي الضُّلوعُ مِن الأسرار والخبرِ لَكُنْتُ أوَّلَ مَنْ ينَسى سرائره إذَا كنتُ مَن نشرَهَا يومًا على خَطَرِ وقال صالح عبدالقدوس: لَا تُذِعْ سِرًّا إلَى طَالِبِهِ مِنْك إنّ َالطَّالِبَ السِّرِّ مُذِيعُ ويكتنز قيس بن الخطيم السِّرَّ لنفسه، ولا يبوح به لأحدٍ في كلِّ الأحوال، إذ عبَّر عن ذلك في شعره: أجودُ بمضمونِ التِّلادِ وإنَّني بسرِّكِ عمَّن سألَني لضنينُ إِذَا جَاوَزَ الاثنينِ سِرٌّ فإنَّه بنثٍّ وتكثير الوُشَاةِ قَمينُ قال أحد الحكماء: كتمانُ السِّرِّ كرمٌ في النَّفس، وسموٌّ في الهمَّة، ودليلٌ على المروءة، وسبب للمحبَّة، ومبلغٌ إلى جليل الرُّتبة.