يقول العارفون بالشعر والقنص معًا، إنَّ الصقار يشترك مع الشاعر في أشياء، ويختلف عنه في أشياء أخرى. يشترك معه في الفكرة من حيث المبدأ، فكرة القنص، فالصقار تشكل له الحبارى الفكرة المحوريَّة في مهمَّته، والشاعر تشكِّل له فكرة القصيدة الهدف المحوري في مهمَّته. يشترك القنص مع الشعر في الرياضة الروحيَّة، فكلاهما رياضة تخلق المتعة والنشوة والفرح مع شيء من المغامرة اللذيذة. أيضًا يشتركان في كونهما ينطلقان من حب حقيقي للمهمَّة، ومن رغبة متمكنة في الذات تصبح بدونها الحياة رتيبة ومملة، وكلما كان الصقار متمرسًا في هوايته، وكلَّما كان الشاعر أكثر خبرة في مجاله الإبداعي، غدت العمليَّة بالنسبة لكلٍ منهما إدمانًا ضاربًا في العمق، ومنحة عظيمة لا فكاك منها، ويمكن القول إنَّ الصقار والشاعر يتشابهان في كونهما لا يعتزلان عملهما إلاَّ تحت ظروف قاهرة. أمَّا الأشياء التي يختلف فيها الصقار عن الشاعر فتتحدد في طبيعة كل منهما على حدة. فإذا كان الصقار يعرف الأرض التي تتجوَّل فيها طيور الحبارى، وإذا كان يعرف المواسم التي تظهر فيها، فإن الشاعر على العكس من ذلك تمامًا. الشاعر لا يذهب إلى فضاء محدد توجد فيه الفكرة، ولا يعرف متى تأتي القصيدة، بل ينتظرها، وقد يقضي وقتًا طويلاً قبل أن تأتي. إنَّه يتحرَّك في أرض مبهمة، يتحرك في ضباب الترقب وغبش الانتظار. نعم يقوده توق عظيم إلى لحظة تنويره الخاصة، ولكنه لا يعرف كيف ولا متى تأتيه. يختلف الشاعر عن الصقار في كون الثاني تنتهي مهمَّته اليوميَّة في آخر جولته، حيث يعود إلى المخيم بصيده ليأكله، أو يهديه، وينسى أمر الطيور التي اصطاد إلى الأبد، أمَّا الشاعر فيظل حفيًّا بقصيدته، معتدًّا بها إلى آخر العمر، بل ويوثقها في كتاب يشهد له بإنجازه. وقد ينال على كتابه جوائز عديدة، وقد يكتب عنه الكثير من النقد، وربما وضعت حول شعره رسائل أكاديميَّة، وبحوث نقديَّة، تمنح لاسمه خلودًا بعد موته، أمَّا الصقار فإن أكثر ما يناله هو متعته الذاتيَّة لحظة الصيد، وإن كان يعمل مع شخصيَّة اجتماعيَّة مرموقة، كشأن بعض الصقارين في الخليج، فإنَّ أكثر ما يمكن الحصول عليه هو تكريمه شخصيًّا وماديًّا من لدن تلك الشخصيَّة.