تمثل الشؤون الاسلامية بكافة اهتماماتها أحد أوجه عناية واهتمام حكومة المملكة العربية السعودية وهي ميدان واسع، وقطاع متميز، والشؤون الاسلامية في برامجها لا ترتبط بصورة خاصة بالمؤسسات الحكومية، بل يسهم في تفعيلها المؤسسات الخيرية والعطاءات العامة للمحسنين سواء بالتعاون والتنسيق أم على شكل اجتهادات خاصة. وهذه البرامج هامة وجديرة بالعناية بها من جوانبها المختلفة، سواء من جانب أهدافها المرجوة التحقق، أم بالنظر للأبعاد الاعلامية خاصة على الصعيد الخارجي، وما تفرزه من ردود أفعال ايجابية أو سلبية، اضافة الى التأكيد على مبدأ التخصص والمتخصص في جوانب التنظيم والاعداد، أو التنفيذ والتقويم. وهذا كله يدفع للنظر والمراجعة ابتداء في مسيرة هذا البرامج وسبل تطويرها ومن ثم النظر في ايجاد البدائل المناسبة. مدخل موضوعي: يأتي ضمن برامج الشؤون الإسلامية اجمالا دعم برامج العمل الاسلامي، والعناية بشؤون الأقليات والجاليات السلسة في العالم، وينضوي تحت هذا المجال تفصيلات متعددة ببرامج العمل القائمة في مجالات:الدعوة، والتعليم، والتثقيف، والرعاية الاجتماعية وغيرها ، وتعد البرامج الموسمية للشؤون الاسلامية احدى المجالات الهامة جدا، فمنها على سبيل المثال:دورات العلوم العربية والشرعية، ملتقيات الأئمة والدعاة، برامج الامامة والتوجيه في شهر رمضان المبارك، المخيمات الطلابية، الجولات والقوافل الدعوية ، وجمهور هذه البرامج متنوع أيضا رجالا ونساء ، علماء ودعاة ، مثقفين، وعامة ، وتشمل هذه البرامج بفنونها علوم الشريعة واللغة العربية، وتأخذ اشكالا متعددة فمنها الحلقات الدراسية الطلابية، والمحاضرات والندوات العامة، والملتقيات الثقافية. لقد أخذت البرامج الموسمية للشؤون الاسلامية الحظ الأوفر والعناية الأكبر مقابل الاهتمام بالبرامج الدائمة في هذا المجال, والعودة الى بدايات برامج العمل الموسمية تبرز أنها كانت تهدف بالدرجة الأولى الى خلق أرضيات مناسبة لانشاء برامج دائمة،فعلى سبيل المثال كانت البدايات القوية لدورات العلوم العربية والشرعية تهدف الى ايجاد قاعدة مناسبة من الدارسين ليكونوا نواة انشاء المعاهد المتخصصة في العلوم العربية والاسلامية في مجتمعات الأقليات المسلمة خاصة في أمريكا وأوروبا، إلا أن هذه الأهداف غابت بعد ذلك، وأصبح التخطيط لاقامة دورات للعلوم الشرعية والعربية هدفا بحد ذاته، وتوسع الأمر بها حتى أصبحت هي البرنامج الأساسي في كل صيف من كل عام، والاختلاف ليس على أهميتها، والضرورة الموضوعية لها حسب مواقع اقامتها، ولكن التأمل يعود بالنظر في الأهداف المرجوة من كل دورة على حدة، وما يرجى أن تحققه. برامج الشؤون الإسلامية: الأبعاد الإعلامية: إن اقامة وتنفيذ برامج الشؤون الاسلامية مطلب شرعي يندب اليه ديننا الإسلامي، وذلك من باب كونها من وسائل الدعوة الى الله تعالى وتبليغ رسالة الاسلام السامية، وهي من جانب آخر اسهام في توجيه وارشاد عامة المسلمين بفئاتهم المختلفة في مناطق الأقليات والجاليات الاسلامية، وبوجه خاص قد تكون جهدا موجها لرفع مستوى أداء الدعاة وأئمة المساجد ذوي الصلات الرسمية ببعض القطاعات والمؤسسات في المملكة. فهذه البرامج تحقق ولو بصورة غير مباشرة، توثيق الصلات والروابط بين المسلمين فيما بينهم في مناطقهم، ومع الآخرين من اخوانهم في المملكة. * ويمكن هنا عرض جملة من الأبعاد الاعلامية التي تحققها برامج الشؤون الاسلامية، ومنها: 1 اظهار قيمة المسلم أيا كان جنسه أو لونه من خلال العناية به والتوجه اليه ببرامج خاصة تلبي حاجته، وتسهم في تفعيله في مجتمعه والرفع من انتاجيته. 2 تعريف غير المسلمين بحقائق الدين الاسلامي، ويتحقق ذلك من خلال مشاهداتهم لتلك البرامج، أو المشاركة في بعض منها، وما يصاحبها من تفاعل إعلامي. 3 ابراز المنهج السلفي الذي تقوم عليه برامج العمل الاسلامي المنطلقة من المؤسسات السعودية المختلفة، والذي يكشف بسمو أهدافه، ومصداقية برامجه زيف دعاوي المدعين وأباطيل المرجفين. * إن هذه الأبعاد الاعلامية الايجابية وتحققها مرهون بالجهود المسبقة والعناية المتخصصة من قبل المنظمين والمخططين لها، وفقد هذه البرامج لعناصر التخطيط السليم، والتنظيم الدقيق قد يتجاوز خسارتنا لتلك الأبعاد الاعلامية الايجابية الى ظهور نتائج سلبية وردود فعل معاكسة. وهذا يدفع للنظر المتأمل للأهداف العملية لهذه البرامج، والعناية بالتخطيط والافادة من المتخصصين. برامج الشؤون الإسلامية: الغياب العملي للأهداف: لا يختلف اثنان على أهمية برامج الشؤون الاسلامية، وكلنا نتفق على أن مجرد اقامتها يحقق أحد جوانب تبليغ رسالة الاسلام. ولكن ما يحتاج الى نظر ومراجعة هو مدى رسم هذه البرامج على اختلافها وفق أهداف محددة مرحلية واستراتيجية ، يمكن أن ندرك بصورة مباشرة الأهداف العملية للمخيمات الطلابية التي تنظمها مثلا الندوة العالمية للشباب الاسلامي سنويا في مواقع مختلفة من دول العالم الاسلامي، وذلك من منطلق تخصصها في المجال الشبابي وأنها تمثل أحد أوجه امتداد مناشطها في العناية بالشباب المسلم ورعايتهم، ولكن يجب أن نتوقف عندما يبعث لإمامة المصلين في رمضان من لا يحفظ القرآن الكريم ولا نصفه!!، أو أن يتجول بين تجمعات المسلمين ليعظهم ويوجههم وباعه في العلم الشرعي قصير قد لا يتجاوز تخرجه من احدى كليات العلوم الشرعية، وأمامه من الدعاة وطلبة العلم من يحمل الشهادات العليا، وينتظر أن ينصت الى عالم ولو مثله في العلم!!. هذا القول لا يعني قطعا التعميم، ولكن حدوث شيء من ذلك وان قل لا شك جدير بالنظر، لأنه سيقود حتما الى انصراف أولئك عن برامجنا، أو اتخاذ مواقف مسبقة تجاهها، ويقود ذلك حتما الى فقد شريحة هامة من جمهور برامجنا، أو انصرافهم الى برامج أخرى يرون أنها أجدر من وجهة نظرهم. كما نتوقف بقوة أمام الاكثار من برامج دورات العلوم الشرعية والعربية السنوية، ان القول بأنها تهدف الى زيادة توعية وارشاد الجاليات المسلمة أمر حقيقي ولكنه بحد ذاته لا يكفي لأسباب موضوعية كثيرة جدا منها: 1 ان حجم الانفاق المالي على دورة واحدة يكفي لتشغيل معهد شرعي في بعض المناطق لمدة تقارب العام الكامل!! فأيهما أنفع؟!!. 2 غياب المنهج العلمي، والمقرر الدراسي المتاح بين يدي الطلاب أثناء تنفيذ البرامج، واستفادتهم منه بعد ذلك، وهذه مشكلة كثر الحديث عنها دون حلول جذرية، وان كانت هناك اجتهادات ولكنها غير كافية، ولا يعول عليها. 3 غياب التقويم الشامل لهذه الدورات، ومواقعها، وجمهورها، وما حققته من أهداف، حتى أصبحت عادة متكررة فحسب. 4 الانقطاع العملي والعلمي بين الدارسين ومنظمي الدورات بعد انتهاء تلك البرامج. إن الغياب العملي لأهداف تلك البرامج يقود لتكرار السلبيات، وظهور جوانب القصور في كل مرة يفقد فيها تلك البرامج!! بل ويفوت المصالح المنشودة منها، وقد يعطي نتائج عكسية، ومردودات سلبية. * المسؤولية هنا مزدوجة: فالوجه الأول: هو السعي لتحقيق الأهداف المباشرة، والمرحلية من عقد واقامة وتنظيم البرامج الموسمية أيا كانت ، وهذا يمكن للقائمين عليها سرد جملة من الأهداف العامة التي يمكن أن تقال عن أي برنامج دعوي، وعلى أي حال فهي المطلوبة ان تحققت. الوجه الآخر: هو العمل الفعلي لتحقيق الأهداف غير المباشرة والتي يمكن تسميتها بالاستراتيجية، والتي تأتي ضمن منظومة الخطة العامة للشؤون الاسلامية على مدار العام، والتي تنطلق من الأهداف الكلية السامية لرسالة المملكة العربية السعودية تجاه تبليغ رسالة الاسلام، وفق المبادىء والمنطلقات التي تراعي أدبيات التعامل مع الآخرين. * والسؤال الأكبر هنا: هل توجد خطة استراتيجية لبرامج عمل الشؤون الاسلامية، مفصلة زمنيا وفق مراحل متوالية كل واحدة تسلمك للأخرى، وتعمل بصورة متكاملة بين برامجها المختلفة، فتلتقي في نقاط النهايات المرحلية محققة أهداف تلك المراحل، وتتجاوزها لما يليها من برامج عمل وفق تلك الخطط، وخارج الاجتهادات الشخصية؟ إن وجود سياسات أو خطط استراتيجية، هي المطلب الأكبر، والنقطة الأولى، والحقيقية، والعملية للعمل الجاد والبناء والفاعل، بل والعمل الذي يمكن النظر اليه وتقويمه. * إن غياب التخطيط الاستراتيجي يفقدنا أمرين هامين: الأول: تحقيق ما نصبو اليه. الثاني: تقويم علمنا، والوقوف على حقيقة ما أنجزناه. وعندما يسأل سائل، ثم ماذا؟ نقول: من أجل أن ترسم الخطوة أو الخطوات التالية، وبدون ذلك قد يكون عملنا ضربا من العبث، لا غير. برامج الشؤون الإسلامية: والتخطيط المتخصص: التخصص أو المتخصص، مطلب أساسي في رسم برامج العمل والتخطيط لها،والسعي لتحقيق الأهداف، ومن ثم تقويم العمل في خطوة مزدوجة مع رسم برامج المستقبل. وهذا العمل الهام والحيوي جزء من الحضور العملي لأهداف البرامج والمناشط أيا كان مجالها واهتمامها، وليس التخطيط حكرا على ميدان دون الآخر. ولكن الأهم هنا حضور المتخصص في مجريات العمل والتنفيذ، بل ويسبق ذلك فيأتي في مرحلة ما قبل العمل وهي مرحلة وضع آليات العمل وخطواته، ومتطلباته، وهذه وان ارتبطت بعملية التخطيط الاستراتيجي إلا أنها الخطوة الرئيسية المؤثرة في مجريات التنفيذ فيما بعد ذلك, فالمتخصص يحدد المنهاج، والطريقة والوسيلة، والكيفية اللازمة للتنفيذ، وبدونها أيضا يكون الانفصال المحبط بين التخطيط والتنفيذ، فمهما كانت خططنا رائعة ودقيقة ومستوفاة، فإنها تسقط في أول خطوة عملية، إذا غابت الآلية المفصلة المبنية على الكفاءات البشرية، والقدرات المادية. وحتى يكتمل جمال العمل، وتظهر فوائده، وتجنى نتائجه الآنية والمستقبلية يجدر أن يترافق مع ذلك النظر والتأمل والتقويم المرحلي، خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة أثناء التنفيذ, فإن حساسيات المعنويات والذهنيات، أشد وأنكى اذا تعثرت، من عثرات الماديات. * أستاذ السياسات الإعلامية المساعد بجامعة الإمام