(ما أعرفه الآن، إنني كنت عاجزاً من قبل..!). هذه جملة الزميل جواد كاظم، وهو يتحدث للزملاء في قناة العربية بعد ورشة عمل داخلية جمعت صحفيين وفنيين وتقنيين، كان جواد يتوسط القاعة جالساً على كرسيه المتحرك، ويتحدث بعزيمة يفتقدها الكثيرون، تحدث عن ضرورة التعلم المستمر والتدريب للجميع، مهما بلغت مناصبهم ومهامهم وارتفعت اسماؤهم. هو لا يتحدث من فراغ أو (يصف) الكلمات بشكل استعراضي، أبدا، هو من بين عشرات حصلوا على تدريب لبرنامج (الصحفي الشامل) الذي يتيح للمتدرب أن يصور وينتج ويرسل للبث تقاريره الصحفية المتلفزة، وهو من بين القليلين جداً الذين انتجوا فيلماً وثائقياً لتربية الإبل خلف ناطحات السحاب في صحراء دبي، لكم أن تتخيلوا كم مرة (غاص) كرسيه في الرمال خلال التصوير!. والصديق جواد حالة خاصة ومهمة، أنقلها اليوم لتقديم مثال إنساني وصحفي عن العزيمة والحرية، والرغبة في الحياة، والمساهمة في الانتاج، فهو لم يستسلم لمعاناته الشخصية وحسب، بل تجاوزها إلى الفضاء مرتين. المرة الأولى، عبر شاشة قناة العربية، لكن بعد أشهر طويلة من تناول غدائه الأخير في مطعم بغدادي، وفي أعقاب مواجهة مع الموت بعد أن استوقفه مسلحون أمام المطعم وحاولوا اختطافه ثم أطلقوا عليه رصاصات استقرت في مواضع قاتلة. بعد تلك الحادثة بستة أشهر، دخل مقر (العربية) في دبي فوق كرسيه المتحرك، ليواصل مرحلة مهنية وعملية جديدة مع الزملاء في غرفة الأخبار، يعد التقارير قبل أن يطل عبر الفضاء ويقدم نشرة اخبارية مباشرة. وأتذكر أن زميلنا عبدالرحمن الراشد حيا جواد كاظم ذات مرة، وقال (إنه رأى الكثير من الناس قبل ذلك وهم يمرون بالشدائد، ولكنه لم ير مثل جواد في عزيمته وثباته وشجاعته). أما تحليق (جواد) الثاني، فهو قمة في الابهار والاثارة، فكرسيه المتحرك، الذي منعه من المشي، فشل فشلاً ذريعاً في منعه من (التحليق في السماء)، فقد فاجأني ذات مرة برغبته في تعجيل معهد التدريب لساعات الطيران للحصول على رخصة قيادة طائرة خفيفة!، وكان حينها يواصل عمله بغرفة الأخبار، وينتقل سراً بين امارة دبي ورأس الخيمة حيث يوجد ناد للطيران هناك، كما ينتظر تضافر جهودنا لمساعدته لاتمام فكرته بقيادة طائرة (رحلة السلام الصحفية)، وهذه الرحلة حلمنا أو وعدنا للعام الجديد وسنبحث ونجمع الداعمين لها. وتبقى مهمته الدائمة بث الأمل في نفوس كل من يخيم عليهم الاحباط لأي سبب كان، أو يعتقد أنه يقترب من نهاياته، أو يشكو عجزه. وجواد كما أحب أن أردد للزملاء لابد وأن يكون ملهماً لثوراتنا الشخصية مع العام الجديد، وقوة تطرد السلبية، وتمثيلاً لعلو الانسان وقدرته وارادته. كل عام ونحن نتعلم منك يا جواد. إلى لقاء.