لم توقف الاعاقة الدائمة مراسل"العربية"جواد كاظم عن متابعة عمله الاعلامي. المقعد المتحرك لم يعن له شيئاً مع انه حوله إلى محرر ثابت للأخبار في مبنى المحطة. كاظم أقعده الشلل الذي أصاب ساقيه نتيجة محاولة اغتياله الآثمة في بغداد في 2005، بعدما استقرت في عموده الفقري ثلاث رصاصات جعلته يخضع لثلاث عمليات جراحية معقدة. وسرعان ما عاد كاظم إلى نطقه وكلماته التي كانت تعينه على ارسال تقاريره المصورة من بين الركام، لكنه لم يعد على ساقيه لتأمين الحركة المطلوبة منه كمراسل حربي اعتاد التنقل وسط المخاطر والصعاب كما هي حال العراق ذاته. جواد كاظم عاد على كرسي متنقل ومعه جذوة المراسل الشجاع التي لم تخمد بداخله، أو لم يفلح من حاول اختطافه وقتله في اخمادها بداخله. نسوق هذا الكلام ونحن نتابعه على مقعد طائرته الخفيفة التي تعلم قيادتها أخيراً على رغم اصابته، على أيدي مدربين مهرة منحوه الثقة الكاملة ربما أكثر من زملائه الآخرين ظناً منهم أنه أصيب أصلاً في حادثة طائرة وهو يعود ليثأر لنفسه منها. وكاظم الذي خبرته ساحة الحرب مراسلاً تلفزيونياً متمرساً، أصبح طياراً بين ليلة وضحاها، ومن على مقعد طائرته"الخرافية"قرر أن يقوم بجولة على الأجواء العربية مطالباً بفتحها ليس أمام الطيارين الخاصين، بل أمام المراسلين الذين يعانون في عملهم وتنقلهم وهم مستهدفون جسدياً ومعنوياً في أكثر من مكان. الأخبار المصورة من حول كاظم مفرحة بلا شك، لكن التقارير تفيد بأن بعض الأجواء العربية غير مرتاحة لجولته ما يعني اعاقته أيضاً في الجو، وهو إن نجا من الموت المحقق والتصق بالأرض رغماً عنه، يتحول إلى طائر تعجز حتى الجاذبية الأرضية عن قهر ارادته الحديد وقواه التي يوجهها واعياً باتجاه آخر. وما عجز عنه المراسلون على الأرض، ها هو يسعى الى تحقيقه من بين الغيوم، وهو يحلق كنسر يذكر بكثير من الطيارين المغامرين الذين عجزت"الامتيازات الأرضية"من أن تحد من طموحهم بالتحليق إلى المجهول ليصنعوا منه فضاء زاخراً بالمعرفة والفرح. والفضاء الذي يحلق كاظم فيه هنا واضح، فهو يحاول أن يجول في الأجواء العربية للتذكير بضرورة الانتصار على هذه الحواجز، لأن هذا ما تريده بالفعل المخيلة العربية الجديدة التي ينتصر لها مراسل"العربية"بشجاعته واقدامه والمغامرة ليس كما عاشها فحسب أثناء تغطيته لوقائع العدوان على العراق، بل حتى حين تحول إلى"الشهيد الحيّ"بعد محاولة اغتياله. برنامج"صباح العربية"حين التقى كاظم وقدم تحقيقاً مصوراً عنه، كان يفتتح يومنا على مهمة أخرى للمراسل وهو يقود طائرته الخفيفة على أمل أن تفتح كثير من الحدود، فإن لم تكن الأرضية منها، فعلى الأقل الأجواء التي لن تعود عصية على المراسلين الحربيين، فكيف إذا حملوا مرتبة طيارين أيضاً؟ نشر في العدد: 16836 ت.م: 09-05-2009 ص: 38 ط: الرياض