زيارة سمو الأمير سلطان لجرحى حرب الحوثيين وتعامله معهم تعامل الأب الحاني، وتقبيله لرؤوس البعض منهم، كان لها أطيب الأثر عند الجميع، وبالذات عند أسر وأبناء المصابين. سموه بهذا التصرف التلقائي والمتواضع يؤكد عن مدى تقديرنا نحن السعوديين لهؤلاء الأبطال الذين دفعوا بأنفسهم فداء لوطن أعطاهم ثقته فيهم، فأعطوه دماءهم، وذبوا فداء عنه بأرواحهم أغلى ما يملك الإنسان. هذا التقدير والتكريم والاحتفاء جسّده الأمير سلطان بهذا التصرف الأبوي الكريم الذي يحمل الكثير من المعاني، فالرجال العظام لا يزيدهم التواضع إلا عظمة ورفعة و وقاراً، أما الصغار فهم الذين (يتدرّعون) بالكبر والتعالي وازدراء الناس واحتقارهم، وهم في الواقع بتكبرهم وتعاليهم على الناس، وازدرائهم لهم، يُعبرون عن عقدهم وشعور ضارب في أعماقهم بالنقص والضعف؛ فيحاولون أن يخفونه بالتعالي والتكبر والغرور. والرجل المُهاب لا يمكن أن (يفتعل) الغرور، والتعامل مع الناس وكأنهم أقل قدراً ومقاماً منه، لأنه ببساطة لا يحتاجه فهو مهاب حين يبتسم أكثر من هيبته وهو غاضب أو مقطب الجبين؛ والدليل على ما أقول سلطان بن عبدالعزيز، انحنى وقبّل جباه أبنائه المحاربين، وخرج من المستشفى بتقدير وإجلال وإكبار وإعجاب الجميع.. (فالهيبة) جزء من كاريزما الإنسان، وسحره الشخصي، لا علاقة لها بالكبر إطلاقاً، بل يزيدها التواضع وحسن التعامل ألقاً، ويُضيف لها سحراً على سحر، بينما يُضعفها التكبر والتعالي واحتقار الناس. وكثيراً ما يقابل الواحد منا في حياته شخصيات يملكون الكاريزما، ولكنهم يفتقدون حسن التعامل، فتنقلب شخصياتهم من التأثير الإيجابي على الناس إلى التأثير السلبي عليهم. والكبر والتعالي ذمَّه العرب واحتقروا من يمارسه، فلما جاء الإسلام رسخ هذه القيم النبيلة، وشجع عليها، واعتبرها من فضائل الدين. فالكبر يصرف الإنسان عن الاعتبار والاتعاظ بالعبر والآيات (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ). وبسببه يعامل العبد المتكبر في الدنيا باحتقار يوم القيامة (يُحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صور الذر يطؤهم الناس بأرجلهم). وقال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: (وأن ألله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد). وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود: قال: قال رسول الله: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). وهكذا هم الكبار دائماً، مدرسة في تعليم الناس حسن الخلق، وتعليمهم كيف يتواضع الكبار فيتألقون، وكيف يكون لين الجانب، وحسن الخلق، والبشاشة، يضفي على القادة أثواباً من الرقي والرفعة وحب الناس. فبالتواضع ساد الكبار شعوبهم، وبالتكبر والتعالي وازدراء الشعوب سقطوا، هكذا يقول التاريخ. إلى اللقاء.