يبدو أننا تحدثنا كثيراً عن هيئة الغذاء والدواء.. وهي هيئة - كما يبدو - جديدة وحديثة العمر.. وإن كانت تتولى مسؤولية خطرة للغاية، ومهمة للغاية، كيف لا.. وهي مسؤولة عن الغذاء والدواء.. وهل هناك أهم وأخطر من هاتين المهمتين؟ ** هذه الهيئة في مبنى صغير مستأجر على الدائري الشمالي، ولكن هذا المكان الصغير لم يُثنِ منسوبي الهيئة عن الاضطلاع بمسؤوليات كبيرة وجسيمة.. ولم يمنعهم من العمل والمشاركة واتخاذ كل الإجراءات اللازمة في كل شيء يتعلق بالغذاء والدواء. ** ومع أنني لست ممن يسافر كثيراً، وحتى لو سافرت لا يمكنني أن أذهب أو أزور هيئة مماثلة في الشرق أو الغرب، لكنني أقرأ عن هيئات مماثلة في دول متقدمة؛ فأجدها - وحسب ما نقرأ عنها - أكبر من خمس وزارات عندهم أو عندنا. ** مثل هذه الهيئات تحتاج إلى خبراء ومعامل وأجهزة مساندة.. وتحتاج إلى دعم المسؤول.. وتحتاج إلى ميزانية كبيرة؛ ذلك أنها ستضطلع أو المطلوب منها أن تضطلع بمهمات كبيرة في ميادين الغذاء المتهم الأول بأنه وراء أكثر الأمراض التي نعاني منها.. ثم الدواء الذي يرد إلينا من كل مكان.. وصيدلياتنا مليئة بالأدوية، وقد يكون بعضها مدسوساً من هنا أو هناك.. وهكذا محال العطارة لديها أدوية وتبيع أدوية، ومثلها صيدليات بيع المكملات الغذائية والفيتامينات والمنشطات. ** وهناك محال أخرى داخل الأسواق تبيع عقاقير وأدوية للبشرة وللجسم ولأغراض أخرى، وهي أدوية.. لكنها في محال التجميل أو محال العطور. ** وكثيراً ما نقرأ أو نسمع أن هذا الدواء الموجود أو هذا الدواء المستخدم له انعكاسات أو أضرار بشكل أو بآخر.. وأحياناً نسأل عن دواء كنا نستعمله لسنوات فيُقال: سُحب من الأسواق أو مُنع استيراده بعد أن ثبت ضرره على الكبد أو الكلى، أو على الدم، أو ثبت ضرره بشكل عام، ونحن (نبلع) منه سنوات.. وهذه الآن مهمة هيئة الغذاء والدواء. ** أضف إلى ذلك.. المهن والتخصصات والتراخيص الطبية، وهذه مشكلة وكارثة أخرى؛ فالتزوير في الشهادات على أشده، واقتحام هذه المهنة من غير منسوبيها شأن آخر. ** وكنت قد قرأت قبل أيام خبراً عن سباك كان يعمل لفترة طويلة اخصائي علاج طبيعي.. وهذه ليست المشكلة.. بل المشكلة أن هناك احصائية بالعشرات لأطباء (مزوري شهادات).. بمعنى أنهم يمارسون مهنة الطب لسنوات وهم لا يملكون شهادات.. بل نصابون، وهكذا بعض الصيادلة واخصائيي المختبرات والأشعة والعاملون في ميادين أخرى من الحقل الطبي نفسه.. ويبدو أن هذه الهيئة ستأخذ مساحة مما كانت تشغله أو تقوم به وزارة الصحة سابقاً. ** هذا على صعيد الطب والدواء.. أما على صعيد الغذاء فهناك مشكلة أو كارثة أخرى؛ فنحن نقرأ ونسمع عن تجاوزات وأخطاء وغش وأضرار في الأغذية ما بين خضار خضع لإضافة مواد كيميائية أو رُش بسموم وقُطف قبل مضي المدة اللازمة.. وبين دواجن ثبت أنها غير خاضعة للمواصفات الصحية، وبين مواد غذائية متهمة بأن فيها مواد مضافة أو مواد حفظ أو مواد مسرطنة.. وبين اتهامات تصل إلى الفواكه هي الأخرى باحتوائها على ما هو ضار. ** الأطباء أحياناً يقولون للمريض: عليك بالفواكه والخضار.. ولو التفت إلى ما يُقال ويُثار حول الفواكه والخضار من أضرار ظاهرة أو باطنة لتوقف عن أكلها.. وهكذا الورقيات التي يحض الأطباء على أكلها.. هي الأخرى حولها (كلام)، وبالتالي فإن أمام هيئة الغذاء والدواء مسؤوليات جسيمة للغاية، وهذا يترتب علينا أن نطلب دوماً دعم هذه الهيئة دعما كبيرا، وأن يُخصص لها مقار وميزانيات ومساندة أخرى.. وأن نعمل على تفعيل هذه الهيئة بالشكل المطلوب.. وأن نصغي ونستمع لمطالبات القائمين عليها. ** لست خبيراً ولا مختصاً في مجال الغذاء والدواء، ولكني واحد من ملايين المستهلكين الذين يخافون من هذه التجاوزات التي عانينا منها سنوات.. وقد تكون هي المسؤولة عن بعض الأمراض التي يعاني منها الآلاف من الأشخاص. ** كل مطالبتي هنا بتنشيط ودعم ومساندة هذه الهيئة، والوقوف معها، وتفهُّم طبيعة عملها، والصرف عليها بسخاء؛ فهي أهم بكثير من هيئات أخرى لها ميزانيات ضخمة ومقار و(صيفيات) و(خلوها مستورة).