الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة عظيمة من قواعد ديننا الحنيف جعلها الله أماناً للمجتمع من شيوع الفاحشة، ومانعًا لتمادي أهل الشر والمعاصي في إظهار معاصيهم وشرورهم، ولكم أن تتصوروا مجتمعًا ليس فيه من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كيف تكون حاله!. ولهذا فقد حرصت قيادة هذه البلاد حفظها الله منذ قيامها على إحياء هذه الشعيرة الدينية من خلال إيجاد أجهزة الحسبة، وإعطائها جل العناية والاهتمام، وستبقى كذلك إلى أن يشاء الله.. وما من شك أن الانفتاح المتزايد على العالم خلال العقود الأخيرة، وما نتج عنه من تغيرات اجتماعية، جعلت بعض المتأثرين بهذا الانفتاح يرفعون أصواتهم منتقدين أداء رجال الحسبة، أو مطالبين بالحد من نشاطهم تحت مبررات ومزاعم متنوعة. وكان من الطبيعي أن يقابل هذه الأصوات أصوات مضادة تدافع عن الهيئات ورجالها، وتوضح إيجابيتها وفوائدها في حماية المجتمع، و بيان دورها في الحد من المخالفات الشرعية والممارسات غير الأخلاقية في مرحلة من أخطر مراحل التغير الاجتماعي والأمني نحو الأسوأ.. وهكذا جعل أولئك المنتقدون هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قضية مثيرة للجدل. وما من شك أن حصول بعض التجاوزات الفردية من بعض رجال الحسبة قد أساءت إلى عمل الهيئات وشوهت إنجازاتها، وأعطت الفرصة لأولئك المتحاملين للتندر عليها وللطعن في مشروعيتها، سواء داخل البلاد أو خارجها، خصوصًا بعد أن أصبحت بلادنا مفتوحة لكل الأجناس البشرية إما للحج والعمرة، أو للعمل. وكما هو الحال في كل مرة تثار قضية مصيرية؛ فقد تعاملت القيادة بفضل الله مع هذه القضية بحكمة وروية، وعملت كل ما في وسعها من أجل استمرار قيام الهيئات بدورها الفعال مع تطوير أدائها ورفع كفاءة أفرادها ليقوموا بأداء عملهم النبيل على أكمل وجه في ظل المتغيرات المحلية والدولية ومتطلبات العصر التي لا مناص من التعامل معها وأخذها بعين الاعتبار شئنا أم أبينا. لقد كان من آخر مبادرات الدولة في هذا المجال اعتماد (كرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحسبة وتطبيقاتها المعاصرة) الذي سيسهم إن شاء الله في تأكيد أهمية دور الحسبة في المجتمع، ودعم الدراسات المتعلقة بالحسبة، ورفع كفاءة القائمين عليها، ودفع الشبهات المعاصرة عنها. ما أحوجنا إلى رجال حسبة يتحلون بالعلم والوعي والحكمة والوسطية ويؤمنون بمفهوم إزالة المنكر بالتي هي أحسن، ويدركون قاعدة دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.. وذلك لا يتحقق إلا إذا كان رجل الحسبة ذا ثقافية واسعة ومنهج معتدل، ومظهر حسن، حتى يجد القبول عند من يخاطبهم.. ما أحوجنا إلى رجال حسبة يأمرون بالمعروف وينكرون المنكر ليس في الأمور الشرعية فقط؛ بل حتى في الممارسات العامة الأخرى. فكما أن التعدي على حرمات المسلمين وعوراتهم منكر، والتغرير بشبابهم وشاباتهم وترويج المخدرات أو السلوكيات الإباحية منكر؛ فإن العبث بالمملكات العامة منكر، والتفحيط منكر، وعكس السير منكر، والتعدي على الثروات الطبيعية منكر، والغش في البيع والشراء منكر، وتأخير المعاملات منكر، والرشوة منكر والتعدي على حقوق المشاة منكر، ورمي المخلفات منكر، والسكوت عن مثل هذه المنكرات يجعل الناس يعتادون عليها، فيصبح المنكر معروفاً، والمعروف منكرًا، والعياذ بالله!. إن المصلحة تقتضي أن يكون كل واحد منا رجل حسبة يدافع عن المصلحة العامة، ويغار على مقومات الأمة من المفسدين والمخربين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.. ما أتعس مجتمع لا يؤمر فيه بالمعروف، ولا ينهى فيه عن المنكر!!.