قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)؛ وروي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له). والوقف بأنواعه من الصدقة الجارية، وإذا ما ارتبط الوقف بإحياء النفس البشرية، بإذنه تعالى، فأجرها عند الله أعظم وأبقى. مراكز الكلى الخيرية من الأوقاف الطبية التي يحتاجها المجتمع لمواجهة حاجات المرضى المتنامية. يحتاج مرضى الكلى إلى تدخل طبي مستمر لإبقائهم على قيد الحياة من خلال الغسل، أو نقل الأعضاء. عملية الغسل الدموي تحتاج إلى تجهيزات خاصة، ورعاية طبية دقيقة، ومراكز متخصصة يمكن أن تساعد في تهيئة الظروف الطبية، الاجتماعية، والنفسية للمرضى، ولأسرهم من خلال تحمل أعباء العلاج المكلفة. لم تدخر الحكومة -وفقها الله- جهداً في توفير وحدات غسل الكلى في المستشفيات الحكومية ضمن خدمات الرعاية الصحية المجانية، إضافة إلى ما تقدمه الجمعيات المتخصصة كجمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكُلوي وبعض رجال المال والأعمال، والمستشفيات الخاصة. مستشفى الجبيل العام، وعلى الرغم من الجهود الحكومية، في تهيئته لاستقبال مرضى الكلى والإشراف على علاجهم؛ كان في حاجة ماسة لزيادة طاقته الاستيعابية عطفاً على الكم المتزايد من مرضى الكلى. ولعل مشروع الشيخ سعد المحمد المعجل -رحمه الله- الذي افتتح السبت الماضي، جاء ليحل هذه الإشكالية ويفتح الأمل أمام المرضى ممن لا يستطيعون إجراء الغسل بسبب الحجوزات، ومحدودية المساحة المتاحة التي يختلط فيها الرجال والنساء لا يفصل بينهم إلا الستائر المعلقة. أنفق الشيخ سعد المحمد المعجل -رحمه الله- أكثر من 25 مليون ريال لبناء مركز متخصص ومتكامل لأمراض الكلى في مدينة الجبيل؛المدينة التي قضى فيها سنوات عمره الأولى. تَبَرُع الشيخ سعد الفردي يفوق في مجمله تبرع شركات سابك والقطاع الخاص في الجبيل الصناعية الذي لم يتجاوز في مجمله عشرين مليون ريال، ورغم محدوديته بقي وعداً لم ينفذ منذ أُعلِن عنه قبل أكثر من ثلاث سنوات. بالمقارنة البسيطة نجد أن شركة سابك، وشركات القطاع الخاص الأخرى في الجبيل الصناعية تحقق أرباحاً صافية في الظروف الطبيعية تفوق في مجملها 20 مليار ريال، ومع ذلك تحجم عن تقديم الأموال الكافية لخدمة المجتمع ما جعلها تتذيل قائمة المتبرعين الأفراد، لا الشركات الوطنية. المعروف أن شركات صناعة البتروكيماويات تصنف على أنها شركات مضرة بسلامة البيئة وصحة الإنسان، وبعض الأمراض المستعصية ربما حدثت بسبب التلوث الناتج عنها، ما يجعلها، وبحكم القانون، ملزمة بالمساهمة الفاعلة في خدمة المجتمع، بعكس الأفراد الذين ينفقون من حر مالهم ابتغاء مرضاة الله لا تكفيراً لممارسات إنتاجية مضرة بالبيئة والإنسان. مركز الشيخ سعد المعجل لأمراض الكلى الذي أُفتتح السبت الماضي سيسهم في إرساء العناية الطبية المتقدمة لمرضى الكلى في محافظة الجبيل والمناطق المحيطة، وسيتيح الفرصة أمام المرضى ممن لا يستطيعون في الوقت الحالي إجراء الغسل بسبب زيادة عدد الحالات، وجدولة المواعيد، وسيكون بإذن الله سبباً لحصول المثوبة والعطاء والأجر من الله العلي القدير لمن قام ببنائه، ولأسرته الكريمة التي اهتمت بإنجاز المشروع بعد أن توفاه الله. نسأل الله الغفور الرحيم أن يتغمد الشيخ سعد المعجل بواسع رحمته وأن يدخله فسيح جناته وأن يتقبل منه هذا العمل الكريم خالصاً لوجهه الكريم. وندعو في الوقت نفسه قطاع الصناعات البتروكيماوية، ومصافي التكرير التي تظلل سماء الجبيل بأبخرتها الضارة أن تقتدي بالشيخ المعجل -رحمه الله- وأن تُسهم في بناء البيئة المحيطة، وتنميتها، وأن تعالج قصور الماضي بمشروعات تنموية شاملة، وعاجلة خدمة للوطن والمواطنين.