إن المخدرات لا تهدد حياة الأفراد المتعاطين فحسب، بل باتت تهدد كيانات الدول وتقض مضاجعها لما لها من أضرار ومخاطر على جميع الأصعدة والجوانب الصحية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية.. إن نشوء استخدام المؤثرات العقلية. مع حالة البطالة وعدم توفر فرص العمل المناسبة لدى شريحة واسعة من فئات المجتمع وبخاصة جيل الشباب والمراهقين.. جميع هذه العوامل ساعدت على انتشار المخدرات في الشارع السعودي وجعلتهم مستهدفين بقوة واحترافية من قِبل تجار ومهربي المخدرات، لهذا تجدهم يمارسون على هذه الفئة من المجتمع أعتى الطرق وأشنعها وأبشعها لإيقاعهم في مستنقعات المخدرات القذرة، بالإضافة إلى مجموعة ظروف أخرى أدت إلى انتشارها واستعمالها بكافة أنواعها من قِبل الفرد وهي: ضعف الوازع الديني، قلة الوعي الثقافي، تفاقم المشاكل المادية، تفاقم المشاكل الاجتماعية والأسرية، محاولة خوض التجربة وتحدي الذات، انخفاض المستوى التعليمي، الفراغ الكبير، قصور في التربية والتنشئة، مصاحبة رفاق السوء، حب التقليد، القدوة السيئة من الوالدين، غياب رسالة المدرسة، عدم وجود رقابة مستمرة من قبل الوالدين، العمالة الأجنبية السيئة. هذه العوامل كلها وغيرها تُشكِّل مجتمعة مدرسة يتخرج منها المدمنون على المخدرات والمشروبات الكحولية، وعلى ضوء هذا يجب أن نقوم كافة - أفراداً وجماعات ومدارس وجامعات وجمعيات ومساجد وتربويين ومصلحين وإعلاميين - بالتصدي لهذه العوامل كافة وأن نقوم جاهدين بمحاولة تذليل وتركيع هذه الكارثة وإيجاد السبل الفعَّالة والسريعة لمعالجتها، كما أنه لا بد من وجود آلية عمل جبارة لإنقاذ أفراد المجتمع من براثن المخدرات وشباكها وأن لا نتأخر في ذلك لأن انعكاسات التأخير سوف تكون انعكاسات سلبية خطيرة وكارثية تشبه كارثة الزلازل والعواصف المدارية المدمرة.. إن كيفية التصدي لهذه المصيبة الكبرى والعلة المقيتة والوباء الخطير، هو أنه يتوجب على الجميع كل في موقعه ووفق اجتهاده بشكل فردي أو وفق منظومة جماعية القيام بدراسة أسباب تعاطي هذه المخدرات المهلكة، ومن ثم العمل على محاولة حلها مثل: دراسة الجانب النفسي للفرد.. دراسة المشاكل الاجتماعية المحيطة به.. إيجاد البرامج الفعَّالة لتذليل المعاناة الاجتماعية والاقتصادية.. رفع المستوى المعرفي لدى الفرد.. تنمية الروح الإيمانية.. زرع الروح التفاؤلية لدى الفرد وجعله ينظر للمستقبل وفق منظور مشرق غير بائس.. التركيز على الجانب الديني كونه يأتي على رأس الهرم الإصلاحي.. البحث وإيجاد القنوات المتعددة التي من خلالها يمكن إيصال الخطاب النصحي والتوجيهي والإرشادي.. تحديد وإبراز النقاط التي تصقل الوعي والإدراك من تلك المؤثرات العقلية المخيفة لدى الفرد والمجتمع.. الحرص على توعية الطلاب والطالبات بأضرار المخدرات منذ الصفوف الأولى لأهمية ذلك ولوقايتهم من الوقوع في خطرها.. تكثيف البرامج الوقائية التي تستند على حقائق علمية عن المخدرات والمشروبات الروحية والتدخين أيضاً.. التكثيف الإعلامي المتواصل للتوعية بأضرار المخدرات بأنواعها لرفع درجات الوعي لدى أفراد المجتمع في كافة الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية. إن ترك هذه المشكلة الملوثة تتفاقم حتى تصبح سرطاناً مستشرياً في جسد شريحة ليست بالهينة من المجتمع سلوك غير قويم.. وعلينا جميعاً أن ندرك ونعي جيداً حجم المشكلة التي يتكبدها الوطن والمجتمع، فكما نتحاشى استنشاق الهواء الفاسد المفعم بعوادم السيارات والغازات والأبخرة وذرات الدخان الكاربونية السامة والشرب من ماء آسن غير صالح أو سيئ التعقيم، علينا الإسراع بإيقاف هذا المارد الخطير من أن يعصف بحياة أجيالنا والتي تليها، وذلك بإيجاد خطط وبرامج (خلاص) من هذه الوباء القاتل تعكف عليها الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني.. وخبراؤنا والمواطنون على مختلف شرائحهم ومواقعهم، فكما أن آذاننا تكره ضجيج المحركات والمولدات وأبواق السيارات ودوي الانفجارات وأزيز الرصاص، وكما أن عيوننا تكره رؤية مشاهد العنف الدموي والمناظر المقززة ولا تريد أن تستهلكه كمنظر طبيعي، فإن نفوسنا تبحث عن صور جديدة لنشء سعودي محصن ونقي ينعم بمناخ صحي ملائم بعيد عن منغصات الحياة ومذهبات العقل وقاتلة الطموح والإرادة.. إن عدد الأرقام المخيفة لقضايا المخدرات بلغ (2873) لعام 1425ه.. وعدد المتهمين لنفس العام بلغ (35445) متهماً حسب الإحصاءات الصادرة من جهات الاختصاص.. إن هذه الأرقام والإحصاءات تدل دلالة واضحة على ما ما تنطوي عليه مشكلة المخدرات بأبعادها الجنونية من تهديد حقيقي للمجتمع والأسرة والفرد، إن علينا العمل جميعاً العمل بقوة تجاه حماية الأجيال الشابة وأن لا نترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لترك هؤلاء فريسة سهلة بين فكي خونة الإنسانية من تجار المخدرات ومهربيها ومروجيها.. إن هؤلاء الأشباح تجار المخدرات والعاملين عليها وناقليها لا ينقصون خطورة وسوءاً وشراً عن الإرهابيين والسفاحين لأنهم وجهان لعملة واحدة يمارسون نفس الجرم العظيم في إهلاك النفس البشرية ودمارها وتطويحها نحو المجهول الخطير، ولأنهم يسبحون في بحيرة مالحة واحدة هدفها إغراق سفينة المجتمع.. علينا ألا نجعل حربنا ضدهم تقف ليلة واحدة، وعلينا أن نصيبهم دائماً بأرق مستمر وأن نمنعهم من الإغفاءة لكي لا يلتقطوا أنفاسهم.. إن هؤلاء الزمر الفاسدة ما هم إلا مخربو الإنسان والأرض ومجرد مزابل تحوم حولها الغربان السود، ومثلما يثيرون فينا الاشمئزاز بتحدٍ، علينا أن نثير عليهم الريح القاتلة والأغبرة التي تصم آذانهم وتعمي عيونهم بتحدٍ مضاد لئلا يقتلوا مزيداً من شباب الوطن وزهراته ويمعنوا في تطويحهم. [email protected]