الحمد لله..إن مما يحقق العزة للأمة ويمنحها الفلاح والسؤدد إقامة شرع الله تعالى في جميع مناحي الحياة وجعل القرآن الكريم والسنة المطهرة مصدر تحاكم ومنهج حياة يستمد منها القوة. وقد منَّ الله عز وجل على هذه البلاد المباركة بقادة حكموا الكتاب والسنة في جميع شؤون الحياة امتثالاً لقوله عليه السلام (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي.. كتاب الله وسنتي).. فدستور المملكة العربية السعودية هو القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، تنطلق من تلك التوجيهات الربانية وتلتزم بما فيها من أوامر ونواهٍ لإيمانها بأنها ما دامت محافظة على القرآن الكريم متمسكة به ملتزمة بأوامره مجتنبة نواهيه فإنها على طريق الحق والصلاح والعزة والفلاح في الدارين الدنيا والآخرة. وعلى مستوى الفرد فإن القرآن الكريم منهج حياة للمسلم به يسعد وتستقر نفسه وتطمئن ويتحلى بالأخلاق الفاضلة، فقد كان القرآن الكريم خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن به مقتدون على خطاه سائرون بإذن الله سبحانه. إن القرآن الكريم المنزل من عليم حكيم جاء ليكون مصدراً خالداً للتشريع للبشر جمعاء وليثبِّت في نفس المخلوق عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر كما أنه يثري فكره ويخاطب عقله ويحثه على التدبر والبحث.. ومن ذلك قوله تعالى {أَفَلَا يَنظُرُونَ..} وقوله تعالى {أَفَلَا يَعْقِلُونَ} وقوله عز وجل (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) فكان محفزاً ومشجعاً على التفكير والتدبر وإفساح المجال أمام العقل في آفاق المعارف الإنسانية إلى جانب أنه يملأ قلبه طمأنينة وسعادة ويسمو به إلى أرفع الغايات وأغلاها ويجعل المرء يعيش حياة مطمئنة راضية لا يعرف القلق والاضطراب طريقاً إلى تلك النفس. إن المتأمل في كتاب الله تعالى يرى مكانته العظيمة كونه الأصل والمستقى والملتقى للمسلمين في كل بقاع الأرض على طريق الحق وهو حبل الله المتين للنجاة والنجاح فيتضح لكل ناظر بصير ومدرك حصيف عظم هذا الكتاب الذي يشع نوراً لكل الخلق في السموات والأرض قال تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} فحري بكل مسلم أن يحرص على تلاوة القرآن الكريم وتدبره وتعزيز الصلة الدائمة به في كل حين فهو عبادة وعلم وقربى وراحة للنفس، فالأمة حين تجتمع على كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تكون قد سلكت منهجاً واضحاً نحو هدف واحد هو الخير للبشرية وتحقيق العدل والمساواة والعبودية لله تعالى وحده، فتسود الأمة وترتقي عزاً ومجداً وتتمثل بالسماحة وتعلو مكانتها لأنها تنهج منهجاً ربانياً يكفل كرامة الإنسان وحريته ويجعله يعيش أفضل حياة له وأسعدها. إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: خيركم من تعلم القرآن وعلمه فحري بنا معشر المسلمين أن نقوم على حفظ القرآن وتدارس علومه وتدبر معانيه ليكون منهج حياتنا ولا نتخذه مهجوراً، كما يجب أن نربي النشء من أبنائنا وبناتنا على العناية بالقرآن الكريم منذ الصغر في البيت وفي حلقات التحفيظ وفي المدارس ودور العلم فإذا ارتبط قلب الصغير بالقرآن وفتح عينيه على آياته وتدبرها فإنه لن يعرف مبدأً يعتقده سوى مبادئ القرآن، ولن يعرف تشريعاً يستقي منه سوى تشريع القرآن، ولن يعرف بلسماً لروحه وشفاءً لنَفسِهِ سوى التلذذ بآيات القرآن... وعندئذ يصل الوالدان إلى غايتهما في تكوينه روحياً، وإعداده إيمانياً وخُلُقياً، وبالتالي يكون ضماناً ً-بإذن الله- لهداية النشء، واستقامته، وسِعة أفقه، ونقاء سريرته، وغزارة علمه وتكون له هذه النشأة حصناً من أي فكر هدام لأن أبناءنا أمانة ٌفي أعناقنا أوصانا الله تعالى ورسوله الكريم بهم، ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أشيد بالجهود المتواصلة والبذل السخي من حكومتنا الرشيدة - أيدها الله- وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله على ما يولونه من عناية فائقة وعطاء متجدد على جميع المستويات للعناية بالقرآن الكريم وعلومه فقامت المسابقات المحلية والدولية لتحفيظ القرآن الكريم وأنشئت المدارس وأوجدت حلقات لتحفيظ القرآن إلى جانب إيجاد صرح متميز لخدمة القرآن الكريم وعلومه تمثل في مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم بالمدينة المنورة. نسأل الله تعالى أن يبارك في جهود القائمين على تحفيظ كتاب الله الكريم والمشاركين في دعم حفظته، وندعوه سبحانه أن ينفع بهم ويزيدهم ويديم علينا وعليهم نعمه ظاهرة وباطنة وأن يوفقنا لخيري الدنيا والدين.