إن ما يجري في غزة حالياً عار على جبين العالم كله، هذا العالم الذي يرى الظلم ولا يحرك ساكناً، يرى الدماء تسيل ويرسل المزيد من الإشارات الخضراء للجاني، هذا العالم الذي لم يكتف بالسكوت عن التنديد بالجريمة البشعة والمجزرة الجماعية التي يرتكبها المجرم، بل يقوم هذا العالم ممثلا بأكبر دولة في النظام العالمي الجديد بإرسال الإمدادات من الذخيرة لتكريس هذا العدوان الغاشم، وكأنها رسالة اعتذار تقدمها الحكومة الأمريكية على عدم استعمالها الفيتو ضد قرار وقف إطلاق النار على الرغم من أنها امتنعت عن التصويت، هذا القرار الذي لم يلق له الكيان الصهيوني أي اهتمام، وكيف تهتم إسرائيل إذ كان الرئيس الذي انتهت مدة صلاحية رئاسته يكرس كل دقيقة تبقت في حكمه لدعم المعتدي ويبرر للعدوان ووقوع الضحايا، أما الضحية الشعب الفلسطيني الذي يزداد عدد ضحاياه مع تحرك عقارب الساعة فلا بواكي له، نعم ايها السادة هذا هو النظام العالمي الجديد نظام القوة الذي أشبه ما يكون بنظام الغاب، القوي يبقى والضعيف يفنى، ونحن أمة ضعيفة عددنا كثير ولكننا غثاء كغثاء السيل أصابنا الوهن فتداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، أمة مفككة دب الخلاف فيها، حتى لم نعد نستطيع الإجماع على ترديد عبارات الاستنكار والشجب التي كنا نسخر منها في الماضي فأصبحت مطلبا لم نعد قادرين عليه، فهناك من يبرر الاعتداء ويحمل الفلسطينيين، وها هو أمين جامعتنا العربية يخرج ليعلن تشخيصه للحالة العربية السياسية بقوله: (إن العرب في حالة فوضى).. إن العدو يعرف حقيقة أمرنا حتى هُنا عليه (ومن يهن يسهل الهوان) عليه، لذا أصبحنا لقمة سائغة لمن أراد أن يلتهم جزءا من أرضنا بدءاً بفلسطين ومن ثم أفغانستان والعراق. نحن ندرك أننا لسنا أمام إسرائيل وحدها ونعي أن الغرب بكامله يصطف وراء دعمها بكل ما أعطي من قوة، ونعلم أيضاً أن اليهود يسيطرون على المال والإعلام في كبريات الدول الغربية، ولكن هل الحل أن نسلم بذلك ونقف عاجزين عن الدفاع عن أنفسنا بأبسط الوسائل. إن الحل يكمن أولا في توحيد الكلمة وأقول الكلمة وليس السلاح، فلم يبلغ فينا التفاؤل بعد إلى هذه الدرجة من الطموح، نعم توحد كلمتنا له أثره عند الصديق قبل العدو فثقة صديقنا فينا تشجعه على الوقوف معنا، فنحن أمة لها ثقلها التاريخي والديني والاقتصادي، ولو استثمرنا مجتمعين هذه المصادر المهمة في ميزان الأمم لوجدنا أذاناً صاغية. فلو تركنا خلافاتنا الداخلية ووحدنا سياستنا الخارجية لاستطعنا أن نغير نظرة الآخر لنا، ولتمكنا من تحويل مسار الأحداث لصالح أمتنا، إن وضع الأمة العربية اليوم بالذات وضع يدعو للشفقة من الصديق والتندر والشماتة من العدو.. نعم تفاعل البعيد وقطع علاقاته مع عدونا من هول ما رأى من اعتداء ووحشية، بينما لم يتجرأ بعض العرب ممن لهم علاقات مع العدو حتى على التهديد بفعل ذلك. إن الاعتداء على غزة برغم بشاعته وخسائره البشرية إلا أنه أثبت للعالم أولا همجية هذا الكيان الصهيوني وأظهره على حقيقته، وسيحتاج إلى سنوات عديدة لتحسين صورته أمام شعوب العالم، وفي الوقت ذاته أظهر ضعفه على الرغم مما يمتلكه من ترسانة أسلحة فنظرية جيشه الذي لا يهزم تلاشت، فصمود غزة أمام ما استخدمه هذا العدو المسعور دليل هزيمة لجبروته وطغيانه.