المواقف المتخاذلة حيال ما يجري في غزة، تعبر عن حالة الشتات التي تعيشها الأمة، الشتات الديني والشتات المذهبي والشتات الفكري، بعد أن خضعت الأمة للتغريب على أيدي مفكريها، كما خضعت للتبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للغرب ، فماذا يُرتجَى من أمة تفقد مقومات هويتها، حتى تكالبت عليها الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها، كما قال نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام، وقد سأل الصحابة: أمن قلة يا رسول الله؟. قال: بل من كثرة، لكنكم غثاء كغثاء السيل. وهذا هو التشخيص الدقيق لحال الأمة في هذا الزمن، المليء بالمآسي والكوارث والحروب التي تعيشها هذه الأمة ليس مع أعدائها فقط، بل مع شعوبها الممزقة التي لا تعرف معنى التضامن والاتحاد لمواجهة التحديات بقوة وصلابة، بدل الارتهان لكل ما يؤدي إلى التشرذم وما يتبعه من ضعف هو حتماً في صالح أعداء الأمة، وفي المقدمة إسرائيل وحماتها من دول الغرب. غزة بعد أن أصبحت في مهب الريح، لا تعاني فقط من ظلم العدو، ولكنها تعاني أيضاً من ظلم ذوي القربى الذين تنكروا لها، وتركوها فريسة سهلة للمغتصب الذي أسال دماءها لترتوي بها أرض الحرية المغتصبة، والكرامة المنتهكة، والشرف المستباح، على مرأى ممن يدعون الدفاع عن حرية الإنسان، وكأن أهل غزة منفيون من إنسانيتهم، ليتم التعامل معهم بهذه الوحشية والعنجهية والطغيان الإسرائيلي الأرعن، ويساعد في ذلك ضعف العرب، فمن هذا الضعف تستمد إسرائيل قوتها، لتعيث في الأرض فساداً دون خشية أو خوف من أحد، أو حتى مراعاة للأنظمة والقوانين الدولية التي تجرّم الاعتداء والاحتلال، وتشريد الشعوب من بلدانها، وتهجير الموطنين من ديارهم، وهي السياسة التي قام وسيبقى عليها هذا الكيان الصهيوني بعنصريته العنصري المعروفة. إن جهود المخلصين من أبناء هذه الأمة لن تحقق أهدافها ما لم يتخذ الجميع موقفاً واحداً يشد من أزر أبناء غزة ويشعرهم أنهم ليسوا وحدهم في التصدي للعدوان الغاشم الذي ترتكبه إسرائيل، للقضاء على الأخضر واليابس، وتجريد الأرض من كل مكوناتها البشرية والطبيعية، وبمعنى آخر محو أهالي غزة من الوجود، والقضاء على كل مقومات الحياة في أرض غزة، وهذا ليس حلماً بالنسبة لإسرائيل، بل عقيدة راسخة في عقول الصهاينة، كما نصت على ذلك بروتوكولات حكماء صهيون، التي تعتمد على العنف والمؤامرات والحروب والثورات وتبرير الخطيئة واستغلال رأس المال في الإطاحة بالقيم والمبادئ والأديان للسيطرة على العالم، وهذا ما يرتكبه الصهاينة الآن في غزة، دون مواربة أو خوف مع ما في هذا التصرف العدواني من خرق صريح لكل الأنظمة والقوانين الدولية، وتجاوز واضح لكل المبادئ والقيم الإنسانية، ولا غرابة، فهذا الكيان الصهيوني لم يكن ليظهر للوجود لو لم يعتمد على اغتضاب أرض فلسطين وتشريد أهلها عن طريق المذابح التي شهدتها قرى وبلدات فلسطين، على أيدي العصابات الصهيونية، ومن منطلق عنصري بغيض، وما يحدث في غزة هو صورة أخرى لما حدث في عام النكبة في دير ياسين وكفر قاسم وحيفا وبلدة الشيخ والقدس على أيدي عصابات الهاجاناة والأرغون وشتيرن الصهيونية، والتي تكون منها بعد ذلك ما سمي بجيش الدفاع الإسرائيلي. فلسطين في الأسر، وغزة في مهب الريح، والصهاينة يعيثون فساداً في الأرض، فيالها من صورة إن كانت تبدو ملامحها قاتمة في الوقت الراهن، فإن كل المؤشرات تقول: إنها - أي هذه الصورة - ستمسي قاتمة، بل أشد سواداً من عتمة الليل البهيم. فهل يدرك العرب ما تخبئه لهم الأقدار ، على أيدي الصهاينة وأعوانهم في الغرب؟.