* كتب عبدالرحمن بن علي العسكر: الكلام عن التاريخ كلام مشوق، منه تستنطق الدروس والعبر، إلى جانب أنه يبقى خزانة تحوي علما كبيرا؛ يحتاج إليه الباحث في كثير من العلوم، ومن انواع التواريخ: تاريخ البلدان، وهو كغيره من التواريخ لا بد أن يتصدى له من تظهر فيه علامات تؤهله للكتابة، لكن إذا كتب التاريخ من لا يعرفه، او هو غريب عن البلد التي يريد التحدث عنها؛ فإن ما يكتبه لا يخلو إما أن يكون ناقصا أو محرفا، ولأجل هذا نرى بين كتب التاريخ تلك الكتب التي خلطت بين الحوادث والوقائع، وغيرت المسميات، ولو تتبعنا سبب ذلك لوجدناه جهل الكاتب بالبلد الذي تحدث عنه، وأيضا فإنك تجد مثلاً أنه حين يكتب المرء عن بلده التي عاش فيها وترعرع، وهي بلد آبائه وأجداده من قبل، لا شك أنه سيكون أفضل من كتابة شخص من غير البلد بل هو إما طارئ عليها أو نحوه، وكما قيل: أهل مكة أدرى بشعابها. الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ممثلة في الإدارة العامة للنشاطات الثقافية استلهمت هذا المعنى حين رغبت في توثيق تاريخ هذه البلاد فقامت باصدار سلسلة: (هذه بلادنا) ورأت أن تكل الكتابة عن تاريخ كل مدينة من مدن هذا البلد إلى أحد أبنائها الحاصلين من الثقافة على ما يؤهلهم للكتابة في مثل هذا النوع، يقول الرئيس العام لرعاية الشباب سابقا صاحب السمو الملكي الامير: فيصل بن فهد رحمه الله في تقديمه لهذه السلسلة ما يلي: وإنه من الأفضل لأية أمة من الأمم أن تكتب تاريخها بنفسها عن طريق أبنائها المخلصين الذين أتيحت لهم فرصة التعليم والوصول إلى أرقى الدرجات العلمية وذلك بالرجوع إلى أمهات الكتب، والبحث والتنقيب في المعاجم، والاستفسار والتمحيص بالاتصال بالمعمرين من أبناء هذه البلاد، وبذلك نستطيع الكتابة عن أي جزء من أجزاء الوطن بصورة مبسطة ومباشرة تساعد الأجيال القادمة على التعرف على تاريخ أمتهم دون تعب أو عناء, ا,ه. وفي الحقيقة فهذا الاهتمام من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب بهذا الجانب ينبغي أن تشكر عليه، لأن الإنسان قد يكتب ابتداء عن تاريخ بلد معين، لكن إذا كان هناك دافع من قبل جهة رسمية معتبرة فلا شك ان الكاتب سيزيد من اهتمامه، وأيضا فكون هذه الجهة الرسمية تتبنى هذا المشروع فإن كثيرا من العوائق التي تحول دون الوصول إلى بعض المعلومات ستزول، وسيكون الكتاب مستقبلا له طابع المصداقية؛ لأنه لاشك يعبر عن الجهة التي تكفلت به. هذه السلسلة التي نتحدث عنها صدر منها كتب كثيرة، كل كتاب يتحدث عن تاريخ مدينة معينة، وسنخص الحديث عن الكتاب رقم (50) الذي كان عن مدينة: الدلم، قام بجمعه وإعداده الأستاذ: محمد بن زيد بن محمد العسكر، وهو من أولئك الأشخاص الذين اشار إليهم الأمير: فيصل بن فهد رحمه الله في كلامه السابق، هو ممن وصل إلى درجة عليا من التعليم، وهو ممن له تجارب سابقة في مثل هذا الفن، وقد اصدر عدة كتب، بعضها في هذا المجال، وقد امتطى حقل التعليم؛ حتى وصل فيه إلى مراتب رفيعة، إلى جانب عضويته في بعض الجمعيات. جاء هذا الكتاب في أكثر من 250 صفحة من القطع المتوسط حاملا بين دفتيه كلاما كثيرا موثقا ومدعما بالصور عن تاريخ هذه المدينة، واشتمل الكتاب على تمهيد وستة فصول وقبله مقدمة مختصرة، أشار فيها إلى أن الكاتب في التاريخ يواجه صعوبة بالغة في الحصول على المعلومة؛ لأن الغالب على الناس أنهم لم يكونوا يوثقون تأريخهم إلا ندرة قليلة منهم، وهذه الندرة إن وصل إلينا ما كتبوه فما هو إلا أحداث يسيرة تعتمد طابع الارتجالية. بعد المقدمة جاء التمهيد الذي تحدث فيه عن المملكة العربية السعودية وأهمية موقعها الجغرافي كما أهمية موقعها الديني بين سائر البلاد، ليبين من خلاله أن كل خير تتمتع به هذه البلاد فهو مفخرة لجميع مدنها وقراها، التي منها مدينة الدلم. الفصل الأول من الكتاب جعله للحديث عن الدلم في كتب المعاجم واللغة، والحقيقة أن من يكتب عن الدلم أو عن بعض المواقع الجغرافية فإنه سيواجه عقبة من ناحية تشابه الأسماء إلى جانب قلة المصادر التي يمكن استخراج المعلومات منها، وكذلك فإن كثيرا من المواقع لها عدة مسميات، أو لها مسمى قديم ومسمى حادث، فالباحث حين يريد الكتابة لابد ان يتنبه لهذا، والمؤلف هنا تحدث في هذا الفصل عن موقع الدلم كما تحدث عنها بعض من زار المنطقة قديما وذكرها في كتاب، ثم تحدث المؤلف بعد ذلك عن الأحياء والأمكنة في الدلم وما حولها، وقد جمع فيها بين المسميات القديمة والحديثة، ثم بعد ذلك تحدث عما أشرت إليه سابقا وهو تداخل الأسماء فبين أن هناك تضاربا في تسمية الدلم بهذا الاسم فمن العلماء من يسميه بالخرج ومنهم من يسميه بالدلم فذكر نقولات من هنا وهناك حول هذا المعنى. أما الفصل الثاني من الكتاب فتحدث المؤلف فيه عن الأحداث التاريخية التي مرت بالدلم على مر التاريخ وخصوصا بعد ظهور الدولة السعودية الأولى واسترسل في هذا لوفرة المصادر وكون الدلم في منطقة المواجهة، ثم تحدث عن الأحداث التاريخية التي وقعت للملك عبدالعزيز في الدلم وموقف أهل الدلم منها، ثم تطرق بعد ذلك للإمارة في الدلم وترجم لمن عرف من أمرائها إلى الوقت الحاضر. أما الفصل الثالث فخصه المؤلف للحديث عن المناخ والسيول في الدلم فتحدث فيه عن بعض السيول الجارفة التي مرت بالدلم أعقبه بالحديث عن بعض الأودية، ثم أشار إلى سوق الحاج الموجود قديما في الدلم, أما الفصل الرابع فتحدث فيه عن التعليم في الدلم فكان مما توسع فيه حين تحدث عن حلق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، ودور هذه الحلق في نشر التعليم الشرعي في الدلم واستقطابها للطلبة من البلدان الأخرى، وأكثر هذه المعلومات منقول عن بعض تلاميذ الشيخ في الدلم ثم تحدث بعد ذلك عن صروح التعليم الأخرى في الدلم كالمعهد العلمي ثم المدارس النظامية وبداياتها، ثم تكلم بعد ذلك عن الأسر الموجودة في الدلم، ثم تكلم عن القضاء والقضاة فترجم للقضاة الذين تولوا القضاء في المنطقة من عام 1087ه حسب ما وجد في الوثائق إلى هذا الوقت، بعد ذلك تكلم عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما الفصل الخامس فخصصه للحديث عن الأماكن الثقافية في الدلم فتحدث عن المكتبة العامة وتاريخ نشأتها ثم عن النادي الرياضي ثم عن الجمعيات الخيرية ثم تكلم عن الشعر والثقافة في الدلم فذكر نماذج من الشعر الفصيح ثم من الشعر النبطي، وفي آخر الفصل تكلم عن الأمثال الدارجة على ألسنة أهالي الدلم، أما الفصل السادس وهو الأخير في الكتاب فجعله المؤلف للحديث عن المرافق العامة في المدينة التي لا تخلو منها مدينة من مدن هذا البلد, هذا عرض موجز لمحتويات الكتاب، وإلا فالكتاب كما ذكر مؤلفه في مقدمته يعد بداية للباحثين، ومنطلقا لمن يريد دراسة تاريخ هذه المدينة لأنه يصعب على المرء أن يحيط بكل شيء كتب، لكن على قدر الطاقة، وإلا فالكلام عن تاريخ هذه البلدة ما زال بحاجة إلى دراسة واستقصاء.