التأسيس عز وفخر    تطوير قطاع النقل الخليجي يخفض انبعاثات الكربون حتى 40%    معرض سوق السفر السعودي 2025 الاثنين القادم    استخدام التقنيات الجيوفضائية لتحسين الزراعة    مؤثرو الغفلة    النفط يتراجع وسط ارتفاع مخزونات الخام الأميركية وحرب الرسوم الجمركية    السعودية للاستثمار الجريء تستثمر في 54 صندوقاً    اللجنة المشتركة لتحديد الاحتياجات التنموية لليمن تعقد اجتماعها ال22    ثبات ونزاهة المواقف    الموقف السعودي من القضية الفلسطينية راسخ وثابت    نخبة نجوم الجولف يفتتحون موسم دوري lIVGO    الاتفاق يتلقى خسارته الأولى أمام الرفاع البحريني في دوري أبطال الخليج للأندية    الأخضر "تحت 20 عاماً" يواجه إيران ودياً في معسكره الإعدادي في الصين    ريال مدريد يتأهل لنصف نهائي كأس ملك إسبانيا بفوز قاتل على ليغانيس    نيوكاسل يكرر فوزه على أرسنال ويبلغ نهائي كأس الرابطة    منصات التوصيل النسائية تنافس تطبيقات المشاوير    قاعدة: الأصل براءة الذمة    الترجمة تلاقح ثقافي بين الحضارات    تكريم عراب التدوين القشعمي بملتقى قراءة النص    ألما يعرض 30 عملا للفنانة وفاء الشهراني    العلم.. أداة الفهم والتقدم الإنساني    اكتشف قدراتك الكامنة    حسام بن سعود يعتمد نتائج جائزة الباحة للإبداع والتميز    هيئة فنون الطهي تنظّم مهرجان ثقافة الطعام    اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون    مركز القرار.. السياسة الإنسانية الحصيفة تنشر السلام    فلسطين.. من رسالة المؤسس إلى رسالة المجدد!    قليلاً من العقل يا فخامة الرئيس    الهلال بلا إعلام !    الجابر يدافع عن البليهي ويستنكر ما حدث من جمهور الهلال    فريق عمل مشروع توثيق البطولات: لم نعتمد أي إحصائيات أو أرقام    بنوكنا: نعتذر عن تنفيذ الخدمة!    صفحة بيت    أمر ملكي يعزز النزاهة ويعيد المال العام    ثبات محمد بن سلمان    إقامة ورشة عمل حول " توسيع أفق بحوث العلاج في أمراض الروماتيزم " الملتقى العلمي الدولي ٢٠٢٥    تقرير أممي: توقعات سلبية بفرار مليون سوداني    القبض على نيبالي في الشرقية لترويجه الحشيش    رصد التربيع الأول لشهر شعبان في سماء المملكة    جازان تحصد الذهبي والفضي في جسور التواصل    جلطات الزنجبيل تستنفر الصحة وتحيل مدعي الطب البديل للجهات المختصة    إنطلاق المؤتمر ال 32 لمستجدات الطب الباطني وأمراض الكلى بالخبر    هداية" تحتفي بإنجازاتها لعام 2024.. أكثر من 1500 مسلم جديد خلال العام    أمين القصيم يلتقي مستشار معالي رئيس الهيئة السعودية للمياه    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد القوة الخاصة للأمن البيئي بالمنطقة    القبض على مواطن لنقله 3 مخالفين لنظام أمن الحدود    «صحة جازان»: خطط لتطوير القطاع غير الربحي    مدفوعة برؤية 2030.. 7 مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالمياً    5 دول عربية تعارض تهجير الفلسطينيين من غزة    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    بيئة حيوية    تحديث بيانات مقدمي الإفطار الرمضاني بالمسجد النبوي    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله بن محمد السعوي
التكفير: والنظرة السطحية
نشر في الجزيرة يوم 22 - 10 - 2008


إن ظاهرة تنامي المد التكفيري الذي يعيق النهضة من النهوض، والتصاعد الرقمي الملموس للكم المنفعل ببنيته الايديولوجية - هذه البنية التي يعييها العثور على ما يمنطقها من الأبعاد الدلالية لنصوص الوحيين ويتعذر عليها مهما استماتت في الاشتغال على الإكراهات المعرفية للنص إيجاد المبررات النصية لتأكيد مبدئها ورسم معالمه الكبرى - هذه الظاهرة لم تتشكل اعتباطا، ولم تنجم كصدفة طارئة، وليست معلولة فاقدة لعلتها؛ مفردة التكفير التي استعملت بكثافة تداولية لافتة في البرهة الزمنية الأخيرة ليست فلتة عارضة، ولم تنشأ من فراغ بل لها جذورها التاريخية الضاربة في القدم، وثمة منظومة سببية متكاملة، وحزمة من المفردات التحريضية، تقف وراءها وتمهد مشرعنة لتمظهراتها التي أشاعت جوا من التناحر الانتحاري، وإذا كان بمقدورنا سبر أغوار هذه المنظومة والنفاذ إلى أعماقها اللجية، فإننا نكون بذلك قد دلفنا في الخطوة الأولى في سبيل الوصول إلى الترياق الذي يحررالنسيج الاجتماعي من هذا الوباء الأيديولوجي - الذي ينطوي في بنيته الداخلية على عوامل فنائه - والداء وخصوصا في حالة تفاقمه يتعذر محاصرة معطياته الوبائية الا بعد القيام بتشخيصه، وتشخيصه لايتم الا بمعرفة عوامله ووعي عوارضه، ومكوناته الفعلية، ومن ثم إجراء العملية الاستئصالية العاجلة له، وحقيقة الأمر أن لهذا الفكر التكفيري محرضات متباينة منها ماهو ديني ومنها ماهو سيكولوجي ومنها ماهو اجتماعي ومنها ماهو اقتصادي أو سياسي، وقد تتداخل هذه العوامل لتسهم في إفراز شخصيات تكفيرية صدامية متناهية الوحشية، ولايصح موضوعيا عزو هذه الظاهرة السوداوية إلى علة بعينها لأن في ذلك ضربا من الاختزال ومجافاة للحقيقة المتعينة على أرض الواقع الفعلي، وفي هذا المقال سيجري التركيز على عامل يتيم يتمثل في تلك النظرة السطحية التي تمثل إحدى سمات هذا الفكر المتخبط الذي طال ليله الفكري الحالك!.إن التعاطي مع الدين على نحو مسطح وعدم العمق المفاهيمي يعتبر من أبرز عوامل نمو وذيوع ظاهرة التكفير، فالسطحية المرتكزة على الثنائيات الحدية الضدية من السمات الملازمة لفكر التكفير لا تنفك عنه بحال من الاحوال فهو فكر تطغى عليه الجزئية والسطحية والشخصانية، ولاحظ له ولانصيب من الشمولية والجذرية والموضوعية، كماهو الوضع في فرقة الخوارج التي رزحت تحت وطأة التكفير ووقعت في فخه فهي تكفر- من فرط سطحيتها- مرتكب الكبيرة، إنه كلما أوغل الإنسان في متاهات الجهل وكلما تضاعف هزال بنيانه المعرفي كلما تضاعف - في المقابل - جمودا وتحجرا وتسطحا وتبرما بالمخالف له فيما يتبناه من رؤى، وخصوصا عندما يكون جهله مركبا بمعنى أنه جاهل ويجهل أنه جاهل، فهو جاهل ويعتقد في قرارة ذاته أنه على درجة عليا من العلم، فهو يحيط أناه بدائرة كبيرة من الوهم الشأن الذي يحيله إلى أسير لمرض الإعجاب المرضي بالذات، حيث يخيل إليه أنه يمتلك مفاتيح المعرفة وأنه هو فقط الممثل الحقيقي للحقيقة فيستقر في خلده هذا الاعتقاد على نحو يجعله يأنف من كل نقد ويرفض وبتعال ملحوظ كل رؤية تستهدف انتشاله وتصويب مفاهيمه الذهنية وإيقاظه من سباته العقلي؛ إن الخطورة عند هؤلاء عديمي الكفاية، ومفتقدي الأهلية، تستشري استفحالا عندما يروم أحدهم بث متبنياته - المفتقرة لما يموقعها- فيحتكر الدين لذاته، فينطق وعلى نحوتمويهي باسمه، ويمتهن المرافعة عنه، ويبدو وكما لوكان الوكيل الحصري له!، وهنا يسيء من حيث يريد الإحسان، ويفسد من حيث يريد الإصلاح، إنه يرى أنه هو وحده المنقذ من الضلال، ولايعي أنه هوالضلال بعينه!.وأنه هوالعائق الصلد أمام الوعي النهضوي. تكمن الخطورة أيضا أنه قد يوشح أحدهم طرحه التنظيري بكمّ من الآي القرآني والنص الحديثي على نحو يستهوي بعض العقول فتتعاطف معه وتنساق بدون ما تشعر إليه، ولا تدرك - وهذه هي المصيبة الأعظم - أن هذه النصوص الشريفة مبنية على أسس مفاهيمية والغة في اجتراح الخطأ، فهي تُموضع على نحو غير معتبر، وتستخدم خارج سياقها المعرفي لمقاصد غير شريفة، وتشوه من خلال تحريف منطقها الاستدلالي، وإعادة إنتاج دلالات مضادة، لا تنسجم وطبيعة التقنية النصية، وهذه قمة الاستهتار بالنص، لأنه إنزال له في غير منزلته، واستشهاد به في غير محله، ثمة عبث بالقيمة النصية، وإجهاض للنص، ثمة تفريغ له من قيمته الدلالية، وتجريد له من منطوقه، وحشر لمفهومه في غير موقعه، النص هنا يحشر كقناع فينفى بعيدا عن موضعه الأصلي، يقصى خارج حدوده، يستعمل كأداة تعبوية، ويجند لحرب ضروس هو لايقرها، بل يقطع ببشاعة فعلها الإجرامي، وهكذا يجري التلاعب بالنص باسم النص، ويجري انتهاكه تحت رفع شعاره!،استدعاء النص على هذا النحو التعسفي قد يزين وجه التناول التنظيري، ويضيف إليه الكثير من الجاذبية، ويضفي عليه لمحات جمالية أخاذة، تأسر العقل المتلقي البسيط، لكن ليس بمكنته - وهذا هو الأهم- توفير ولو قدر ضئيل من المصداقية، وليس بمقدوره تحسين مُحَياه الموضوعي، إن الاستشهاد بالنص ليس دائما فعلا معرفيا، بل قد يتحول في بعض المواضع إلى حالة اختراقية للمعرفة، ومسّا صارخا بأخلاقياتها، فهنا المعرفة توظف على نحو غير معرفي، وحينئذ تنتفي معرفيتها وتستحيل - بفعل عدم وضعها في إطارها- إلى فعل تجهيلي يضاعف من تهميش البعد المعرفي على نحو لا يفلح إلا في تسطيح الوعي وإرباك توازنه. إن السطحية والجهل إذا اقترنا بالتدين والزهد فإن المخرجات هنا تكون وخيمة لأن الزهد المتمخض عن إطار الجهل يوقع سالكه في براثن التشدد ويولد لديه نوعا من التصلب الذهني الذي يعمي ويصم، ويولد لديه ضربا من الدوغمائية الحادة؛ هذه الدوغمائية تتضاعف خطورتها هي الأخرى عندما يتوافر المتلبس بها على قدر من المعرفة، لأن مثل هذا بسلوكه المتدين وخصوصا إذا كان يباشر الفتوى يلبّس على بعض الناس فيمنحونه شرعية معينة وينظرون إليه بإجلال وتقديس، لا بل وقد يعتبرونه مجدد العصر، ووحيد الدهر، وأنه سبق عصره!، ويتعاطون آراءه ويتواصون بها ويضيقون ذرعا بكل نقد يوجه إليه، بل يرون أن نقده، نقد للدين نفسه!، ومن نقده فكأنما نقد معلوما من الدين بالضرورة، ويرون أن هذا الناقد لا يخلو من دخَل في قلبه، وأن ثمة زيغا حلّ به حمله على ممارسة هذا الدور الشراني الذي سيجد مغبته ولو بعد حين!، وصفوة القول: فإن الإدراك المتسطح الذي لايتقن قراءة السطور، فضلا عن قراءة مابين السطور، لديه قابلية كبيرة للتقولب وفق أي نمط فكري كسيح حتى ولوكان هذا الفكر يعاني من حالة الشوزفرينيا الفكرية (الانفصام) وهذا ما يحيله إلى لقمة سائغة وهدف سهل المنال وسهل الوقوع في شَرك المعطيات الفكرية ذات المنحى التكفيري.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.