* والناس في يوم الأربعاء الثاني من أيام عيد الفطر خطف الموت من كثير منهم ضياء الابتسامة، ليحل محلها حزن عميق، وألم ممض. لقد استأثر الموت برجل وهب نفسه للأدب والثقافة والصحافة في وقت كانت تمر بمرحلة تحتاج إلى هاو لهذه الجوانب من الفكر. لقد رضع لبان الفكر بأقسامه في وقت كان الفكر زاهياً، ومعلموه أصائل، أخذ عنهم، وأضاف إلى ثقافته منهم ثقافة اليوم، بما فيها من دراية وبصيرة وعمق. لقد استظلت الأفكار الرصينة تحت (ظلاله)، وكانت هذه (الظلال) نعم المظلة الواقية، وسوف تفقده هذه (الظلال) اليوم، وسوف نفقده معها. لقد كان لفكره صدى، لما يتسم به من عمق كان يتقيد من حياة المجتمع الذي نعيش فيه، فكان يغرف من بحر، مع إجادة في التعبير، وحسن مداخل ومخارج، بأسلوب تميز به، ومنهج اختطه فحمده، وحمدناه معه. كان السيد عبدالله عبدالرحمن الجفري ومضة ساطعة في أفقنا الفكري والاجتماعي والصحفي والثقافي يكشف ما يكتبه ويؤلفه عن ثقافة واعية، تجمعت عن حصيلة قراءة ودراسة لم تعرف الحدود، ولم تقف عند مدى، ويظهر هذا المخزون الفكري بأقسام فيما يكتب، وظهر في البصيرة التي كان ينظر بها إلى أمور المجتمع من حوله. كان السيد عبدالله رقيق الحاشية، لين العريكة، سهل التواصل والتقارب، يألفه الإنسان من أول مقابلة، ويعرف عمقه بمجرد الحديث معه، فلم يكن غامضاً ولم يكن متكلفاً، ولا متصنعاً، كان صريحاً بأدب، ومعبراً برفق، قبول لما يراه حقا؛ متحمس لما يعرف أنه في مصلحة الأفراد أو الجماعة في إطار مصلحة الوطن. الحزن عليه يشل حركة الفكر في أن يقدم ما يستحقه من قول ينصفه، أو حصر صفات توالت طوال سنين تطل برأسها منيرة مشعة. أظله الله بظله مقابل ما أظلنا في (ظلاله) التي حوت كثيراً مما كان نفث قلمه، ووحي شعوره وإحساسه وغفر الله له وأسكنه جناته. وعزاؤنا لحرمه المصون ولأبنائه: وجدي ونضال وإياد، وإلى بناته الكريمات: الدكتورة زين وعبير والعنود، وإلى جميع أصدقائه وقرائه. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.