ذكرني تصريح الرئيس الأمريكي (جورج بوش) قبل أيام، حينما حذر موسكو من مغبة الاستقواء على جارتها - جورجيا -، والتعاون مع الدول المجاورة بدلاً مما أسماه أسلوب المواجهة... الذي كان متبعاً إبان الحرب الباردة، وأن الاستقواء والترهيب ليسا طرقاً مقبولة في السياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين. ذكرتني تلك العبارات بوزير الإعلام الألماني في عهد (هتلر)، ومؤسس فن الدعاية السياسية (جوزيف جوبلز)، القائل: (اكذب الكذبة مئة مرة.. تصدقها). وهو صاحب نظرية: (نصف الحقيقة)، ومفادها: خلط بعض الحقيقة ببعض الأكاذيب ثم تقديمها كخبر إعلامي حتى يصدقها الناس. يعتقد الرئيس الأمريكي (جورج بوش) أن الإعلام هو الأداة الرئيسية والمهمة في صناعة الرأي العام، لغسيل الأدمغة وتزييف الحقائق، من خلال الشعارات والقيم التي يتشدق بها، مستخدماً أكثر الأساليب تقدماً وأقواها تأثيراً، حتى تجد طريقها عند بعض الجهلة والسذج، ويجر العالم كله وراءه للتصديق بأكاذيبه. وهو ما أكده (باول كروغمان) في صحيفة (نيويورك تايمز): (إن مصطلح تلفيق يبدو رقيقاً للغاية بالنظر إلى ما فعلته إدارة بوش طوال الوقت. هذه الإدارة اعتادت بشكل غير مسبوق في تاريخ الولاياتالمتحدة، وبشكل منتظم وبصفاقة، التلاعب وتشويه الحقائق). إذا كان الاستقواء والترهيب في نظر (جورج بوش) ليسا طرقا مقبولة في السياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين - حسب زعمه -، فماذا يسمي الحرب التي تشنها الولاياتالمتحدةالأمريكية على الإسلام والمسلمين منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م؟. وماذا يسمي تدمير العراق بعد أن قام بالعدوان عليه واحتلاله منذ أكثر من خمس سنوات؟ قتل خلالها ما يزيد عن مليون عراقي، وشرد خمسة ملايين عراقي داخل بلادهم وخارجها. وماذا يسمي تدمير أفغانستان والاعتداء عليه؟. أزهق خلالها الملايين من الأرواح البريئة، ودمر مدناً وقرى كاملة، وسحق البنية التحتية للدولة. هل سياسة الاستقواء والترهيب مقبولة إذا كانت تخص السياسة الخارجية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين؟. أم أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كانت شماعة لتنفيذ سيناريو معد سلفا لشن الحرب على الإسلام والمسلمين بما يتوافق مع المصالح الأمريكية! حيث تؤكد التقارير أن الولاياتالمتحدةالامريكية أعدت خطة عسكرية لغزو أفغانستان منذ سنين، للسيطرة على نفط المنطقة وخاصة بحر قزوين. وكانت تنتظر الذريعة المناسبة، فجاءت أحداث سبتمبر لتسرع من عملية تنفيذ المخطط الأمريكي للسيطرة على نفط العالم. كما تؤكد التقارير أن هدف الحرب على العراق، هو تدميره كدولة بعد أن شكل محوراً مهماً في العالم الإسلامي والعربي. وتدمير الإنسان العراقي من خلال فرض حصار اقتصادي عليه. إضافة إلى السيطرة على نفط العراق، الذي يمثل ثاني أكبر احتياطي في العالم. وفرض وجود عسكري أمريكي في المنطقة بعد تأمين المصالح الأمريكية والإسرائيلية من خطر العراق. وهو ما أكده (كولن باول) بشهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، التي عقدت في 6- 2-2003م، حين قال: (إن الإطاحة بصدام حسين ونظامه يمكن أن تؤدي إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط بطريقة إيجابية بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة وحلفائها). أعتقد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية من أقدر الدول تزييفاً للوقائع لصالحهم، واستغلالها وترويجها إعلامياً، من أجل تحويل الأزمات إلى فرص، وما لم يحل بالقوة سيحل بمزيد من القوة. فدخلت في حقبة زمنية جديدة من تاريخها وإرثها السياسي والفكري قوامها الاستبداد والتحكم العالمي. وأصبحت أكثر الدول ممارسة للإرهاب، بدءاً بتسويق الحرب على أفغانستان، مروراً بالعراق، تحت شعار إحلال الديمقراطية الذي جاءت به.