كانت وحدة الصف العربي من أهم التطلعات التي كان يحلم بها المواطن العربي، بل إنها كانت حاجة ملحة على مستوى القيادات العربية في مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي، وكانت أول تجربة وحدوية في العصر الحديث الوحدة السورية المصرية التي تم توقيعها بين البلدين عام 1958م، لكن تلك الوحدة لم تلبث أن تمزقت بعد 44 شهراً فقط، فكانت بداية الانفصالات العربية. وإنه لمن المحزن أن العرب الذين تطلعوا للنهوض والاستقلال بعد سقوط الدولة العثمانية، وبعد الكفاح المرير ضد الاستعمار الأوربي، والحماس الذي بلغ أوجه بعد دحر العدوان الثلاثي وتحقيق الوحدة بين مصر وسوريا، أن يأخذ ذلك الحماس والاندفاع بالتراجع بعد انهيار الوحدة ليبلغ مداه بعد هزيمة 1967م، ولتكتمل حلقاته بعد الاختلاف المصري السوري بعد حرب 1973م، وميل الرئيس أنور السادات إلى المفاوضات، وقيامه بزيارة إسرائيل. ولم يلبث ذلك الانشقاق أن استشرى في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، ولم يقتصر على مصر وسوريا، بل تعداها إلى أقطار عربية أخرى، ليتطور إلى نزاع مسلح يوجه فيه العربي بندقيته إلى صدر أخيه بدلاً من توجيهها لأعداء الأمة الحقيقيين، مما زاد التهاب المناطق الحدودية وجعل معظم القادة العرب يعدون ما استطاعوا من قوة، ويحشدون جيوشهم على الحدود، ليرهبوا بها دول الجوار الشقيقة.. لقد كان المواطن العربي المغلوب على أمره يأمل أن تكون هزائم العرب في 1948م و1967م، عاملاً على حشد الصفوف واستثمار الطاقات، وإحياء التضامن والوحدة والتقارب، إلاَّ أنه فوجئ بقادته وهم يزدادون تفرقاً وتناحراً، ويوغلون في التشرذم والتفكك، ولا شك أن مما زاد الأمور سوءاً في هذا المجال هو تفرد الكثير من القادة العرب باتخاذ القرارات الانفصالية الخطيرة المبنية على مواقف فردية ومصالح شخصية، وتغييب دور الشعوب، وحجب مشاركتها في الحياة السياسية العامة. إن آمال المواطن العربي في تحقيق هذه الوحدة خلال العقود الماضية قد أصيبت بضربات موجعة من الإحباط واليأس في ظل الضعف والتنافر بين كثير من رؤساء وملوك العرب المعاصرين، في الوقت الذي نرى الدول الأوربية تتوحد، والدول الشيوعية تتضامن، والدول الآسيوية تتكامل في اتحادات سياسية واقتصادية وعسكرية متينة وفاعلة على الرغم من اختلاف لغاتها وثقافتها وربما دياناتها.