قصة النجاح المذهلة التي حققها ثلاثة من خريجي جامعات أمريكية تعد أكبر قصة نجاح يمكن أن يتخيلها شخص، حيث وصل مشروع أولي من قيمة صفرية (استدانة وقروض بسيطة) إلى أرباح وقيمة تصل إلى أكثر من خمسة مليارات ريال في فترة قياسية حوالي العامين أو أقل... .. وقد انطلق هؤلاء الثلاثة من فشل نتيجة عدم مقدرتهم على إرسال كليب فيديو عن حفلة لهم على ايميلات أصدقائهم عبر الإنترنت، ثم ولد هذا الاحتياج حلولاً فنية، وبناء موقع مخصص لتحميل لقطات الفيديو.. وسارع ثلاثتهم إلى تسجيل موقعهم تحت عنوان يوتيوب you tube وكان ذلك في فبراير عام 2005م. والثلاثة الأبطال الذي صنعوا التاريخ هم خريجو جامعات في تخصص الحاسب والفنون والرياضيات، وكانوا مجرد زملاء وظيفة في شركة بي بول Pay Pla وهي شركة بطاقات دفع ائتمانية لمشتريات عبر الإنترنت.. وعندما اشتهرت يوتيوب لم يظهر إلا اسمان فقط، حيث ظهرا على صفحات صحف ومجلات العالم، ولكن الشخص الثالث ظهر عند توقيع الاتفاقية مع جوجل (الشريك الثالث).وهؤلاء هم تشاد هيرلي Hurley وهو متزوج من ابنة الملياردير جيم كلارك صاحب مشروع السيلكون فالي Silcon Valley وقد تربى في الشرق الأمريكي، حيث حصل على البكالوريوس من جامعة إنديانا بولاية بنسلفانيا (والدته معلمة رياضيات وتقدم برامج اثرائية في المدارس الثانوية). والشريك الثاني هو ستيف تشن Chen وقد ولد في تايوان، وهاجر مع والديه في سن الثامنة، ودرس في ولاية الينوي، وتخرج من جامعتها في اربانا - شامبين في العلوم والرياضيات، ثم انتقل إلى شركة بي بول وهو من أوائل موظفي هذه الشركة. أما الشريك الثالث فهو جاويد كريم (مسلم) ولد في ألمانيا من أب بنجلاديشي وأم أمريكية. كان والده باحثاً في شركة أمريكية ثري إم، ووالدته أستاذة مساعدة بجامعة منسوتا الأمريكية في الكيمياء الحيوية. ودرس جاويد في منسوتا، ثم تخرج من جامعة الينوي (اربانا - شامبين) في علوم الحاسب، وانضم إلى شركة بي بول. وجاويد كريم هو الشريك الثالث الذي لم يعرفه العالم إلا عند توقيع يوتيوب مع شركة جوجل، حيث كان اسمه مخفياً. واليوم استحوذت شركة جوجل على يوتيوب بمبلغ قيمته مليار وستمائة وخمسين ألف دولار (أي ما يعادل حوالي خمسة مليارات ريال).. رقم قياسي في النجاحات لا يمكن تخيله. وقد وفرت التقنية الحديثة بما فيها الإنترنت مناخات كبيرة في الإبداع والتميز جعلت من شركات عملاقة مثل جوجل وياهو ويوتيوب ومايكروسوفت وغيرها من الشركات تحتل مكانة مؤثرة في الاقتصاد العالمي، وبخاصة ما يعرف باقتصاد المعرفة. ولاشك أن يوتيوب الذي يعيشه العالم اليوم هو شكل نوعي من أشكال الاتصال الإنساني غير المعتاد، فقد بات يشكل ذاكرة للعالم، بمختلف شعوبه ولغاته ومجتمعاته. ومن يتصفح أي موضوع في العالم يجد هناك لقطات فيديو عن هذا الموضوع سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الرياضة أو التعليم أو الفنون ومختلف أنواع الاهتمامات المجتمعية. وقد يتبادر إلى الذهن أن الموضوعات التي تطرحها صفحات يوتيوب هي موضوعات آنية وحاضرة من الوقت الراهن، ولكن المشاهد سيفاجأ أن نسبة عالية منها هي موضوعات قديمة (وبعضها بالأبيض والأسود) مر عليها عشرات السنين. وتشير الإحصائيات إلى أرقام فلكية في المشاهدة والصفحات، فقد أشارت إلى أنه في شهر يوليو عام 2006م، وصل عدد المشاهدة اليومية إلى مائة مليون لقطة فيديو (نعم هذا في يوم واحد). أما عدد المشاهدة الشهرية في نفس الفترة تقريباً فقد وصل إلى مليارين ونصف (الفان وخمسمائة مليون). أما في يناير عام 2008م فقد وصلت المشاهدة الشهرية إلى أكثر من ثلاثة مليارات لقطة فيديو من مختلف دول العالم. ونظراً لتوفر خدمة اللغة العربية أصبح التصنيف سهلاً لدخول المشاهد العربي إلى أي موضوع يرغب الاطلاع عليه. ولاشك أن اليوتيوب سيكون هو ذاكرة العالم عامة والعالم العربي خاصة، لأن المواطن العربي يرغب أن يكون له سجل مرئي يحفظه ويتيحه لاطلاع العالم. ومن هنا نتوقع أن يزداد عدد لقطات الفيديو العربية على اليوتيوب، وتزداد - تبعاً لذلك - عدد المشاهدة العربية. ومن يطلع على ما يحتويه اليوتيوب يلاحظ على سبيل المثال أن أرشيف التلفزيون السعودي الفني (على سبيل المثال) موجود على اليوتيوب، فمعظم الأغاني السعودية موجودة، بما فيها أغاني الأطفال التي شوهدت قبل عشر أو عشرين سنة، وما تحتاجه هو اسم الأغنية أو النشيد، وتشاهد تلك التسجيلات القديمة. وبطبيعة الحال لا أقول ذلك على أساس أن التلفزيون هو الذي أعطى مثل هذه المقاطع، ولكن أشخاص كانوا يحملونها ويسجلونها لذكريات خاصة هم الذين دفعوا بها إلى الإنترنت، وبخاصة اليوتيوب. إن أخطر ما يمثله اليوتيوب (إذا كان البعض ينظر إليه على أنه يشكل خطراً) هو الانقلاب الذي أحدثه في الإعلام التقليدي، الذي يقوم فيها القائمون الرسميون على التلفزيون والإعلام بتقديم واختيار ما يرغبون من الناس مشاهدته من لقطات إخبارية أو فنية ورياضية وبدلاً من هذا الوضع التقليدي أصبح المشاهد هو الذي يختار ما يشاهده العالم من حوله. فأصبح المستقبل حسب النظرية الإعلامية التقليدية هو المرسل في القرن الحادي والعشرين. ولهذا فإن مفهوم الإعلام قد تغير إلى الأبد، كما يثبته اليوتيوب. المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود [email protected]