يقول الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام العربية مؤخراً إن مغنياً عربياً شاباً تعرض لهجوم عنيف من الجنس اللطيف، حيث إن حشوداً غفيرة من الفتيات الجزائريات توافدن على المطار واصطففن لاستقبال المغني المذكور، وما إن وصل إلى صالة القدوم في المطار حتى انقضت عليه جموع الفتيات المعجبات انقضاض النحل الهائج على فريسته الآدمية، ولم يستطع الحرس المكلف به حمايته من هجوم المعجبات رغم الحراسة المشددة التي كانت تحيط به، مما تطلب استدعاء شرطة المطار، والاستنجاد بها لإخراج الضحية من بين البراثن الناعمة التي تتسابق إلى الظفر بمصافحة الفنان أو تقبيله أو ابتسامته. ويضيف الخبر أن رجال الأمن الذين تدخلوا بقوة قد نجحوا في حماية الضحية والإفلات به وإخراجه من المطار بسيارة أمنية بعد أن شكلوا حاجزاً بينه وبين الفتيات المغرمات بفنه، بعد أن تعرض لإصابات وكدمات طفيفة، تستدعي بقاءه في الراحة لبعض الوقت قبل أن يقيم حفله الغنائي.. لم ينته الخبر عند هذا الحد، لكنه يضيف أيضاً: إن تكاليف الحفل الذي سيقيمه الفنان المشار إليه في العاصمة الجزائر سيتكلف أكثر من 20 مليون دولار (أكثر من 75 مليون ريال). إن مثل هذا الخبر ليحزن العقلاء الغيورين على هذه الأمة عموماً وعلى ذلك البلد العربي الذي يعاني من معوقات كبيرة في تنميته واستقراره ويواجه مصاعب أمنية واقتصادية واجتماعية بعد أن أنهكته الحروب الداخلية، وأوجعته التدخلات الخارجية. إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا بكل حسرة وألم: لو كان القادم إلى أرض المطار طبيباً عربياً ناجحاً، أو أديباً مرموقاً، أو مفكراً لامعاً، فهل سيجد هذا الاستقبال الحاشد، وهذا التوافد الجماهيري الكثيف إلى أرض المطار؟ إنه لمن المؤسف حقاً أن بلداً مثل الجزائر الشقيقة بلد المليون شهيد ضد الاستعمار الفرنسي تتغير بها الأمور حتى يصل الحال بأبناء أولئك الشهداء وأحفادهم إلى أن يكون الطرب والغناء هو المسيطر على عقولهم واهتماماتهم، وإن كانوا في ذلك ليسوا بدعاً من عالمهم العربي المسلم عموماً، فقد أخذ هذا الجانب مساحة تجاوزت المعقول من فكر شبابه وشاباته.. وإنه لمن المؤسف حقاً أن يكون الاهتمام الأول لشبابنا وشاباتنا هو الرياضة الكروية والطرب، في هذه المرحلة التي أصبح العرب أحوج ما يكونون فيها إلى ربط الأحزمة، ومضاعفة الجهود، واستنهاض الهمم، لتوجيه الأمة إلى البناء والنهوض لتستعيد مكانتها بين الأمم، وتسترد مهابتها التي داس عليها الأعداء.. وما أحوجنا إلى استثمار الأموال والعقول في ميادين العلم والتنوير بعد أن تلاطمت بنا أمواج النكسات والهزائم، وعصفت بنا رياح الخلافات والفرقة، فأصبحنا نسير إلى الخلف في عالم تتسارع خطاه إلى الأمام، فالله المستعان.