لماذا نحارب (عيد الحب) كل عام وكأنَّ لدينا مشكلة مع الفرح، أو أننا شعب يكره الحب ويحارب كل مظاهر الاحتفال فيه؟، لماذا نغرس في أطفالنا وعلى امتداد أجيالنا أننا دون بقية كائنات الأرض لنا (خصوصية) حاضرة بقوة في واقعنا الحياتي، وطاغية في خطابنا الاجتماعي، وفاعلة في وعينا الجماعي حتى تصرفنا عن المشاركة الاحتفالية مع دول العالم وشعوب الأرض ب(عيد الحب) أو أي عيد ابتدعته الوثنية القديمة أو أفرزته العلمانية الحديثة، كأعياد الميلاد والأم.. وغيرها؟، لماذا تُجيِّش هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نفسها، ممثلةً بمراكزها وأفرادها ودورياتها قبيل حلول يوم (الرابع عشر) من شهر (فبراير الميلادي) لمراقبة محال بيع الورود ومحاصرة اللون الأحمر وكأن جهاز الهيئة أنجز كل أعماله ولم يتبقَ في قائمة مهامه إلا ملاحقة عشاق الوردة الحمراء، ومصادرة كل ما يصطبغ بهذا اللون حتى لو كان حاويات دماء المتبرعين ببنوك الدم؟، بل لماذا نبالغ في حملة التحذير لدرجة التحريم من الاحتفال بعيد العشق (الفلنتاين) وكأن الإسلام في خطر محدق أو عقيدة المسلمين في امتحان عسير؟!!... هذه الأسئلة وغيرها مما يجول في أذهان الكثيرين من فقراء الوعي الديني، الذين لا يرون أدنى بأس في ممارسة عيد الحب ومشاركة الغرب وشعوب التبعية الاحتفال فيه، الأسئلة السابقة يمكن الإجابة عنها بوضوح يجلي حقيقة هذا العيد (الوثني)، عند ما يدرك أولئك مثل أصغر طالب في المرحلة الابتدائية أن شعيرة (العيد) في شريعة الإسلام هي (عبادة) في أصلها، تتحقق من خلال طقوس وأذكار وممارسات معينة، والابتداع في هذه العبادة وغيرها من العبادات المقررة بأدلة قطعية (الثبوت والدلالة) يعني الابتداع في الدين، الذي يشكل واحداً من أخطر الأفعال التي تهدد المجتمع المسلم باختراق منظومة (التعاليم الإسلامية الاجتماعية) التي يتعبد بها؛ هذا الاختراق يمكن تسميته ب(الاختراق الاجتماعي)، يتم من خلال بث تقاليد وعادات وقيم وسلوكيات غربية في أوساط المجتمع الإسلامي. هذه العادات والقيم والسلوكيات يتصل أغلبها بجوهر الدين النصراني، أو تتصل بوثنيات شعوب كانت منضوية تحت عباءة الغرب أو تتقاطع عقائدياً معه، وقد انتقلت إلى عالمنا الإسلامي وتعامل بها قطاع عريض من الناس دون الاكتراث بخطرها (العقدي) وأبعادها الاجتماعية، بسبب الجهل المطبق بتعارضها الصريح مع الدين الإسلامي، لهذا لم يكن مفاجئاً ذلك الاحتفال (السنوي) الحميم بما يُسمَّى بعيد الحب أو (العشق) أو (يوم الفلنتاين) الذي يصادف يوم (14 فبراير) من كل عام ميلادي. وعيد الحب يعود تاريخياً إلى العصور القديمة أيام حكم الرومان، الذين كانوا يحتفلون بعيد (الإخصاب) تخليداً لذكرى ما يزعمون به (ربة الإخصاب والعشق) التي تُدعَى (كيوبيد بن فينوس)، حينما يقوم كل شاب بسحب اسم فتاة من (يانصيب) معروف لدى العامة، فتصبح هذه الفتاة معشوقة لهذا الشاب طيلة العام، تزامن ذلك مع وجود راهب يُدعَى (فلنتاين)، كان يقوم بشعائر عبادته سراً، ويحاول بث نصرانيته بين الناس، الأمر الذي دفع بالحاكم الروماني (كلوديوس) إلى اعتقاله في أحد السجون، فوقع هذا الراهب بغرام ابنة السجان وهام بها وراح يراسلها، وجعل يكتب الرسائل الغرامية ويبتكر فيها، حتى أنه كتب رسالته الغرامية يوم مقتله في 14 فبراير، ووقع باسمه (فلنتاين) أو فالنتين، لهذا صار قديساً ورمزاً خالداً لهذا العيد الوثني، ومع مرور الأيام منذ العصور الرومانية القديمة إلى يومنا الحاضر، أصبح المحتفلون يجددون طقوس هذا العيد وتقاليده ويبتكرون في تعبيراته المادية بالقلب والوردة والعقد والخواتم وغيرها، التي تجتمع بخاصية اللون الواحد وهو (الأحمر). ما يهمني في هذا المقام ليس التنديد بهذا العيد الخزي، الذي يتعارض صراحةً مع ديننا كحال (عيد الكريسماس) أو (عيد الميلاد) وأمثالهما لدرجة التحريم، سواءً بالرضا والسكوت على هذا العيد، أو المشاركة الاحتفالية فيه، أو الإعانة على إقامته، إنما رأيت أن أكشف تاريخ (عيد الحب) وأصله الوثني لأولئك المهووسين بهذا العبث الأخلاقي لعلهم يرتدعون، فقد يقودهم إلى وحل الحرام من علاقات مشبوهة واحتفالات مختلطة، أو أولئك الجشعين الذين رفعوا أسعار الورود الحمراء في كثير من محال بيع الزهور في استغلال واضح لحمى الشراء لدى المراهقين، أو الشطط الذي يجتاح (قنوات الجسد) في فضاء إعلام العرب بتشجيعها المفرط لهذا العيد أو عيد الأم أو أي عيد يفرزه الغرب، فضلاً عن بعض المطبوعات الخليجية والعربية التي تحولت إلى نوافذ ترويجية لهذا العفن الاجتماعي، داعيةً بعنوان بارز إلى مشاركة العالم الاحتفال بعيد الحب! وتحت العنوان كانت أساليب التهاني تكشف نفسها.. بتقديم بطاقة معايدة مجنونة.. أو رسالة عاطفية ملتهبة.. أو أغنية شبابية ساخنة.. إلى غير ذلك من محركات الغرائز البشرية، التي تفتقر للرشد والمعنى السامي للفطرة السوية. فهل ندرك محاولات الاختراق الاجتماعي التي تحاول العبث بمنظومة تعاليمنا الدينية وأخلاقنا الاجتماعية، من خلال نشر العادات والقيم والسلوكيات الغربية، ونعي أن مسألة (المشترك الإنساني) في علاقتنا مع أمم الأرض، بما في ذلك الإفادة من العالم الغربي المتقدم، إنما تكمن في الإفادة من إنجازاته المادية (الصناعة والتقنية)، وابتكاراته العلمية والبحثية (الطب والكيمياء والفيزياء والرياضيات) وفنون حياته المدنية (الإدارة والسياسة والاقتصاد والإعلام) ومجالات نهضته التعليمية (الأساسية والأكاديمية)، ومناهجه الفكرية (الفلسفة وعلم المنطق)، وليس في قيمه وسلوكياته التي تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، فلسنا بحاجة لقديس عاشق يعلمنا الحب، فمعلم الحب الأول على الصعيد الإنساني هو محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام، كما أننا لسنا بحاجة لعيد مستورد من عالَم يمتهن مقام الأم، ويعيش أزمة حقيقة في نظامه الأسري لكي يذكرنا بحق الأم، التي عظم الإسلام قدرها بحق الصحبة في الدنيا ودخول الجنة برضاها في الآخرة بعد رحمة الله، وقِسْ على ذلك بقية الأعياد الوضعية.