هذه مقالة أهديها لكل مسؤول.. لكل إنسان.. ولكل من يريد أن يسبق الواقع بفكره وسلوكه من أجل أن يصل إلى هدفه دون عناء!! وأن يعيش حياته بهناء. كلنا في الأصل إذا أردنا أن نسافر لأي مكان نبادر بالحجوزات للطائرات أو الفنادق والشقق.. لماذا؟.. من أجل أن لا ينقلب ترفيهنا إلى معاناة.. وأن لا نقف في طوابير الانتظار نستجدي رحمة تنزل بنا من أي موظف كان. (...إن من كمال عقل الإنسان أن يفكرّ في عواقب الأمور إذا أراد أن يفعل شيئاً أو يترك آخر...). ودعوني هنا أسيح في ضرب أمثلة عدة أؤكد من خلالها أهمية دفع مستوى الوعي الاجتماعي في البعد الوقائي ليكون ذلك في مجمل تصرفاتنا وعلى مختلف مستوياتنا. شكى لي أحد أقربائي وضع ابنه الذي يبلغ من العمر السابعة عشر تقريباً.. كيف أنه قلق من سلوكياته ابنه في ضعف مستوى الطاعة وفي التأخر في الدراسة الخ.. فأشرت إليه لأرفع من مستوى البعد الذي أريد تعميقه فيه: أو بعد سبعة عشر سنة أتاك القلق؟؟.. أين هذا الهم أيام أن كان الولد أرضاً خصبة تشكلها كيف شئت.. الخ. من المحاور النقاشية التي تبادلناها.. (إن المعنى هنا أن الاهتمام بالتنشئة في الصغر يورث الراحة والسعادة عند الكبر.. وذلك من أهم أسس ثقافة الوقاية...) ودخلت يوماً في ملحق أحد زملائي فرأيت سلك كهرباء قد جرح من آخره.. فقلت للصديق (الشطرطون بريال) فلم لا تلف هذا السلك حتى لا يؤذي أحداً.. ومرت الأيام وإذا به يضاحكني يقول لو كان الشطرطون بألف لاشتريته.. قلت وما ذاك! قال ذهبت بابنتي للمستشفى بسبب ذلك السلك المجروح.. هل نسيت الموقف؟!! فحمدت الله على السلامة وقلت في نفسي أين ثقافة الوقاية؟! ... أيها المجتمع الكريم موظفون ومسؤولون.. إننا عادة ما نشكو من ضغوط العمل الذي بدوره يسبب أرقاً وضغطاً وسكراً، ولو تأملت في أغلب حالاتنا لوجدت أن ركاماً من المعاملات وضعت على الأرفف وأمام ناظرينا على مكاتبنا ولم ننجزها فتزيد أحمالنا أحمالاً وتضعف الإرادة يوماً بعد يوم.. فلا نعطي لكل معاملة حقها من الدراسة والتحقيق فنصدر أوامرنا أحياناً بعكس ما تستحق المعاملات التي بين أيدينا فلا نؤدي الأمانة التي وظفنا من أجلها.. إننا نستطيع أن نقي أجسادنا كل هذه الأمراض وأعمالنا كل هذه الضغوط حينما ندرك عواقبها. وعلى هرم الأمانات والتي سوف تقي كل مسؤول من المشكلات... توظيف الكفاءات وتوزيع المسؤوليات وخلق الفرص والعدل في التمكين منها.. وعدم التحيّز في نشر التنمية على أي مستوى كان لأن ذلك يجني على تواصلها واستدامتها!! بل إن ذلك يقي من سخط الناس ونمنماتهم... وكل ذلك يُمكن صده بتبني منهجية الثقافة الوقائية. ... وهنا همسة لكل مسؤول على كرسي عمله الآن أن لا تتوانى عن فعل أي شيء تخدم من خلاله مجتمعك ويشكل لك رصيداً تعتز به قبل أن يخلفك غيرك على مقعد المسؤولية فتقول (يا ليت) ومن هنا فثقافة الوقاية تقلب الندم على الماضي إلى اعتزاز ودفعة للمستقبلة. ... ولعلي أشير إلى أعظم وقاية اجتماعية لكل مكونات المجتمع وهي ضمان سلامة معتقده وشرعة من الضالين فيه والمضلين عنه.. ذلك أن ركاب سفينة المجتمع إذا لم يأخذوا وبجد على أيدي من يريدون إغراقها في الظلام أو إشعالها بالنار فإن المصير الاجتماعي للجميع واحد.. ومن هنا فإن كل مكون من مكونات مجتمعنا فرداً كان أو أسرة أو مؤسسة يشارك بشكل مباشر في دفع معدل الوقاية الاجتماعية من الغرق وبحسب الجهد تتجذّر لدينا ثقافة الوقاية. ... ومن المناسب أن نختم بأن خلاصة الوقايات التي يترتب عليها جهدنا في واقعنا هي أن نجسّد قول الحق في {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} ما تعلمون من نص هذا التوجيه الرباني العظيم.. والذي يؤسس ليس فقط لوقاية الدنيا كلها بل لسعادة الدنيا والآخرة. ... إن أمثلة عدة يمكن أن تنسحب على ثقافة الوقاية أتركها للمجتمع ليناقشها بنفسه ويضع لها حلولاً ليس فقط لتكون الوقاية خيراً من العلاج بل لتكون الوقاية هي العلاج ابتداءً.